المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقاصد المكلف في التصرفات


كامل محمد محمد محمد عامر
04-07-2016, 06:59 PM
تبسيط علوم السلف

مقاصد المكلف في التصرفات


إعداد
دكتور كامل محمد عامر



مختصر بتصرف من وحى كتاب

الموافقات
فى
أُصُول الأحكام
للحافظ أبى اسحاق ابراهيم بن موسى اللخمىّ الغرناطىّ
الشهير بالشاطبىّ
المتوفى سنة790
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمـــــــــــــــــــــة
الحمد لله الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، أحمده حمد العاجز عن القيام بحق حمده على ما أنعم علينا بنعم لا نستطيع لها حصراً؛ وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، وكفى بالله شهيداً. اللهم صلى وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين .
أما بعد
فهذا البحث من وحى كتاب الموافقات يتحدث عن نية المرء ومقاصده فى تصرفاته ويؤكد على أن النية وحدها لا تكفى لِتَقَبُّل العمل ولكن يجب أن يكون العمل موافقاً لأحكام الإسلام, ويتحدث البحث أيضاً عن حكم الأعمال مع تخلف النوايا, ويقسم أيضاً المقاصد إلى قسمين: قسم هو من ضرورة كل إنسان فى حال اختياره, واللقسم الثانى ليس من ضرورة كل فعل وإنما هو من ضرورة التعبديات.
هذا, وكما ذكرتُ فى غلاف البحث فأنا لم ألتزم نص كتاب الموافقات ولكننى استلهمت من قول الشاطبى رحمه الله ما أردتُ توضيحه بلغة سهلة تناسب عرفنا اللغوى الآن. والله من وراء القصد وهو سبحانه الهادى سواء السبيل.
المسألة الأولى:
الأعمال بالنيات والمقاصد معتبرة في جميع التصرفات من العبادات والعادات.
فصل
العمل إذا تعلق به القصد تعلقت به الأحكام التكليفية وإذا عُرِىَ عن القصد لم يتعلق به شيء منها كفعل النائم والغافل والمجنون وفي الحديث " إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ" [البخاري: بدْءِ الْوحْيِ]
فصل
المقاصد المتعلقة بالأعمال ضربان:
الضرب الأول هو من ضرورة كل انسان فى حال اختياره وهنا يقال إن كل عمل معتبر بنيته فيه شرعاً قصد به إمتثال الأمر أو لا ؛ وتتعلق إذ ذاك الأحكام التكليفية فإن كل فاعل عاقل مختار إنما يقصد بعمله غرضاً من الأغراض حسناً كان أو قبيحاً فلو فرضنا العمل مع عدم الإختيار كالمضطر والنائم والمجنون وما أشبه ذلك فهؤلاء غير مكلفين فلا يتعلق بأفعالهم حكم وإن تعلق به حكم فمن باب خطاب الوضع لا من باب خطاب التكليف فالممسك عن المفطرات لنوم أو غفلة وإن صُحِّحَ صومُه ، فمن جهة خطاب الوضع كأن الشريعة جعلت نفس الإمساك سبباً فى إسقاط القضاء أو فى صحة الصوم.
والضرب الثانى ليس من ضرورة كل فعل وإنما هو من ضرورة التعبديات من حيث هى تعبديات فإن الأعمال كلها الداخلة تحت الإختيار لا تصير تعبدية إلا مع القصد إلى ذلك؛ أما ما وضع على التعبد كالصلاة والحج وغيرهما فلا إشكال فيه, وأما العاديات فلا تكون تعبديات إلا بالنيات ولا يتخلف عن ذلك من الأعمال شىء.
المسألة الثانية
يجب أن يكون العمل موافقاً للتشريع فلا تكفى النية وحدها لقبول العمل فمن لم يكن عمله موافقاً للشريعة فعمله باطل فالملكف إنما كلف بالأعمال بالطريقة التى حدَّتها الشريعة له.
المسألة الثالثة
فاعل الفعل أو تاركه على أربعة أقسام:
أحدها: النية خالصة لله تعالى و العمل موافق لما حدَّته الشريعة كالصلاة يقصد بها امتثال أمر الله تعالى و يؤديها بكامل شروطها و أركانها فلا إشكال فى صحة هذا العمل.
الثانى: النية غير خالصة لله تعالى و العمل غير موافق للشريعة كفاعل المحرمات قاصداً لذلك فهذا أيضاً ظاهر الحكم.
الثالث: النية غير خالصة لله تعالى و العمل موافق للشريعة وهو ضربان:
(1) أن لا يعلم بكون العمل موافقاً كواطىء زوجته ظاناً أنها أجنبيه والتحقيق أنه آثم من جهة حق الله غير آثم من جهة حق الآدمي وكالغاصب لما يظن أنه متاع المغصوب منه فإذا هو متاع الغاصب نفسه فلا طلب عليه لمن قصد الغصب منه وعليه الطلب من جهة حرمة الأمر والنهي.
(2) أن يعلم بكون العمل موافقا كالمصلي رياء وما أشبه ذلك فهذا القسم أشد من الذي قبله.
والرابع: النية خالصة لله تعالى و العمل غير موافق للشريعة وهو ضربان:
(1)أن يكون مع العلم بالمخالفة وهذا هو الإبتداع كإنشاء العبادات المستأنفة والزيادات على ما شرع ولكن الغالب أن لا يتجرأ عليه إلا بنوع تأويل ومع ذلك فهو مذموم حسبما جاء فى القرآن والسنة.
(2) والآخر أن يكون مع الجهل بذلك وهذا ليس بمخالف فالأعمال بالنيات ونية هذا العامل على الموافقة لكن الجهل أوقعه في المخالفة.
المسألة الرابعة
العمل إذا كان مأذونا فيه على ضربين:
أحدهما(1) أن لا يلزم عنه إضرار الغير وهذا باق على أصله من الإذن ولا إشكال فيه.
والثاني أن يلزم عنه إضرار الغير وهو ضربان:
أحدهما(2) أن يقصد الإضرار بالغير كالمرخص في سلعته قصدا لطلب معاشه وصحبه قصد الإضرار بالغير:
فإما أن يكون إذا انتقل إلى وجه آخر في استجلاب تلك المصلحة أو درء تلك المفسدة حصل له ما أراد فلا إشكال في منعه منه.
وإن لم يكن له محيص عن تلك الجهة التي يستضر منها الغير فحقه مقدم وهو ممنوع من قصد الإضرار.
والثاني أن لا يقصد إضرارا بأحد وهو قسمان
أحدهما(3) أن يكون الاضرار عاما كالامتناع من بيع داره أو ارضه وقد اضطر إليه الناس لمسجد جامع أو غيره فلا يخلو أن يلزم من إجباره الإضرار به بحيث لا ينجبر أو لا فإن لزم قدم حقه على الإطلاق وإن أمكن انجبار الإضرار ورفعه جملة فاعتبار الضرر العام أولى فيجبر على البيع لأن المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة فقد زاد السلف في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يقضي بتقديم مصلحة العموم على مصلحة الخصوص لكن بحيث لا يلحق الخصوص مضرة.
والثاني أن يكون خاصاً وهو نوعان
أحدهما(4) أن يلحق العامل بمنعه من ذلك ضرر فهو محتاج إلى فعله كالدافع عن نفسه مظلمة يعلم أنها تقع بغيره أو يسبق إلى شراء طعام أو ما يحتاج إليه أو إلى صيد أو حطب أو ماء أو غيره عالماً أنه إذا حازه استضر غيره بعدمه ولو أخذ من يده استضر فإن الموضع في الجملة يحتمل نظرين:
نظر من جهة إثبات الحظوظ فإن اعتبرنا الحظوظ فإن حق العامل مقدم وإن استضر غيره بذلك لأن جلب المنفعة أو دفع المضرة مطلوب ولذلك أبيحت الميتة وغيرها من المحرمات وإذا ثبت هذا فما سبق إليه الإنسان من ذلك قد ثبت حقه فيه شرعا بحوزه له دون غيره وسبقه إليه لا مخالفة فيه بل قد يتعين عليه حق نفسه في الضروريات فلا يكون له خيرة في إسقاط حقه لأنه من حقه على بينة ومن حق غيره على ظن أو شك وذلك في دفع الضرر واضح وكذلك في جلب المصلحة إن كان عدمها يضر به وقد سئل الداودي هل ترى لمن قدر أن يتخلص من غرم هذا الذي يسمى بالخراج إلى السلطان أن يفعل قال نعم ولا يحل له إلا ذلك قيل له فإن وضعه السلطان على أهل بلدة وأخذهم بمال معلوم يردونه على أموالهم هل لمن قدر على الخلاص من ذلك أن يفعل وهو إذا تخلص أخذ سائر أهل البلد بتمام ما جعل عليهم قال ذلك له لأن الظلم لا أسوة فيه ولا يلزم أحدا أن يولج نفسه فى ظلم مخافة أن يوضع الظلم على غيره والله تعالى يقول { إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق } ومن ذلك الرشوة على دفع الظلم إذا لم يقدر على دفعه إلا بذلك هذا كله مع اعتبار الحظوظ.
وإن لم نعتبرها فيتصور هنا وجهان:
أحدهما الدخول فى المواساة على سواء وهو محمود جداً وقد فعل ذلك فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عليه الصلاة والسلام إن الأشعريين إذا أرملوا فى الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم فى ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم فى إناء واحد فهم مني وأنا منهم.
والوجه الثاني الإيثار على النفس وهو أعرق في إسقاط الحظوظ وذلك أن يترك حظه لحظ غيره اعتماداً على صحة اليقين فالإيثار هنا مبنى على إسقاط الحظوظ العاجلة فتحمل المضرة اللاحقة بسبب ذلك لا عتب فيه إذا لم يخل بمقصد شرعي فإن أخل بمقصد شرعي فلا يعد ذلك إسقاطا للحظ ولا هو محمود شرعاً.
والثاني أن لا يلحقه بذلك ضرر وهو نوعان :
أحدهما(5) ما يكون أداؤه إلى المفسدة قطعيا كحفر البئر خلف باب الدار في الظلام بحيث يقع الداخل فيه بلا بد وشبه ذلك فتوخيه لذلك الفعل على ذلك الوجه مع العلم بالمضرة لا بد فيه من أحد أمرين إما تقصير فى النظر المأمور به وذلك ممنوع وإما قصد إلى نفس الإضرار وهو ممنوع أيضا فيلزم أن يكون ممنوعا من ذلك الفعل وإذا فعله فيعد متعديا بفعله ويضمن ضمان المتعدى على الجملة.
والثاني(6) ما يكون أداؤه إلى المفسدة نادرا كحفر البئر بموضع لا يؤدي غالبا إلى وقوع أحد فيه وأكل الأغذية التي غالبها أن لا تضر أحداً وما أشبه ذلك فهو على أصله من الإذن
والدليل على ذلك أن ضوابط المشروعات هكذا وُجِدَتْ كالقضاء بالشهادة فى الدماء والأموال والفروج مع إمكان الكذب والوهم والغلط.
المسألة الخامسة
كل ما كان من حقوق الله فلا خيرة فيه للمكلف على حال وأما ما كان من حق العبد في نفسه فله فيه الخيرة حتى إذا كان الحكم دائراً بين حق الله وحق العبد لم يصح للعبد إسقاط حقه إذا أدى إلى إسقاط حق الله.
فصل
إحياء النفوس وكمال العقول والأجسام من حق الله تعالى فى العباد لا من حقوق العباد ولا يصح للعبد إسقاطه اللهم إلا أن يبتلى المكلف بشىء من ذلك من غير كسبه ولا تسببه وفات بسبب ذلك نفسه أو عقله أو عضو من أعضائه فهنالك يتمحض حق العبد فله الخيرة فيمن تعدى عليه لأنه قد صار حقاً مستوفى فى الغير كدين من الديون فإن شاء استوفاه وإن شاء تركه. فأما ما هو لله صرفا فلا مقال فيه للعبد
وأما ما هو للعبد فللعبد فيه الإختيار من حيث جعل الله له ذلك لا من جه أنه مستقل بالإختيار ويكفيك من ذلك اختياره فى أنواع المتناولات من المأكولات والمشروبات والملبوسات وغيرها مما هو حلال له وفي أنواع البيوع والمعاملات والمطالبات بالحقوق فله إسقاطها وله الإعتياض منها والتصرف فيما بيده من غير حجر عليه إذا كان تصرفه على ما ألف من محاسن العادات وإنما الشأن كله فى فهم الفرق بين ما هو حق لله وما هو حق للعباد.