المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اختصار الطريق إلى شارع النجاة


كامل محمد محمد محمد عامر
03-13-2016, 09:15 AM
من وحى أهل الحديث


اختصار الطريق إلى شارع النجاة


إعداد
دكتور كامل محمد عامر



مختصر بتصرف
من
رسائل


الإمام المحدث الحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي القرطبي






1433 هـ ـــ 2012م

(الطبعة الأولي)

مقدمة
الحمد لله رب العالمين كثيراً، وصلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم تسليماً كثيراً وبالله نستعين على كل ما يقرب منه سبحانه وتعالى.
أما بعد
قال ابن حزم رحمه الله
فقد سألنى من علىّ إجابته ولايسعنى التأخر عنه عن العلوم التى تقربه من شارع النجاة فإن طلبة العلم انقسموا قسمين: فطائفة اتبعت العلوم الطبيعية والعلوم الأنسانية، وطائفة اتبعت علم ما جاءت به النبوة، فأجبته بإذن الله تعالى مبيناً وجه الحق في ذلك بغاية الاختصار، ليفهمه كل من قرأه، متأيداً بالله عزَّ وجلَّ لوجوب نصيحة الناس والسعي في استنقاذهم من النار وحسبنا الله تعالى.
العلوم الطبيعية والعلوم الأنسانية
المنطق: هذا علم حسن لأنه فيه معرفة العالم كله، بكل ما فيه من أجناسه إلى أنواعه إلى أشخاصه والوقوف على البرهان الذي لا يصح شيء إلا به، وتمييزه مما يظن من جهل أنه برهان، وليس برهاناً، ومنفعة هذا العلم عظيمة في تمييز الحقائق مما سواها.
علوم الحاسبات: وهذا علم حسن لأن فيه خيرٌ كثير ولا يجهل ما قدمه هذا العلم للبشرية إلا جاهل ومنفعة هذا العلم عظيمة لعلوم الآخرة إلا إنه قد يحمل فى طياته شرٌ كثير فالعاقل من استخدمه فى الخير.
علم الجبر والحساب: هو علم حسن صحيح برهاني. إلا أن المنفعة به إنما هي في الدنيا فقط في قسمة الأموال على أصحابها ونحو هذا، وكل ما لا نفع له إلا في الدنيا فهي منفعة قليلة لسرعة خروجنا من هذه الدار ولامتناع البقاء فيها، وكل ما ينقضي فكأنه لم يكن.
علم المساحة والهندسة: وهو علم حسن برهاني إلا أن هذا القسم منفعته في الدنيا فقط. وما لا نفع له إلا في الدنيا فمنفعته قليلة لسرعة انقطاعها.
علم الفلك: وهو علم برهاني حِسِّي حسن، وهو معرفة الأفلاك ومدارها وتقاطعها ومراكزها وأبعادها، ومعرفة الكواكب وانتقالها وأبعادها.
وأما القضاء بالكواكب فباطل لتعريه من البرهان، وإنما هو دعوى فقط، ولا نحصى كم شاهدنا من كذب قضاياهم المحققة، وإن أردت الوقوف على ذلك فجرب، تجد كذبها أضعاف صدقها كالراقي والمتكهن سواء سواء ولا فرق.
علم الطب: وهو علم مداواة الأجسام من أمراضها مدة مقامها في الدنيا، وهو علم حسن برهاني؛ إلا أن منفعته إنما هي في الدنيا فقط، ثم ليست أيضاً صناعة عامة، لأننا قد شاهدنا سكان البوادي وأكثر البلاد يبرأون من عِلَلِهِم بلا طبيب، وتصح أجسامهم بلا معالجة كصحة المتعالجين وأكثر، ويبلغون من الأعمار كالذي يبلغه أهل التداوي.
فان قالوا: إن لهم علاجات يستعملونها.
قيل: تلك العلاجات ليست جارية على قوانين الطب بل هي مذمومة عند أهل العلم بالطب، واكثر ما يقدمون عليه بالرقي والتعاويز والطلاسم ولا مدخل لها عند أهل الطب.
فصل
كل علم قلت منفعته، ولم تكن مع قلتها إلا دنياوية فإن العاقل الناصح لنفسه لا يجعله أكبر همه، ولا يفني فيه عمره لأنه قد يبقى المرء في دنياه - طول مدته فيها - عارياً من هذه العلوم، ولا يعظم ضرره بجهلهما لا في عاجل ولا في آجل.

وأما عن علم ما جاءت به النبوة
فما جاءت به النبوة منفعته في ثلاثة أشياء:
أحدها: إصلاح الأخلاق النفسية وإيجاب التزام أحسنها كالعدل والجود والعفة والصدق والنجدة في موضعها، والصبر والحلم والرحمة، واجتناب سيئها؛ وهذه منفعة عظيمة لا غنى لساكني الدنيا عنها، ولا شك في العقل في أن صلاح النفس ومداواتها من فسادها، أنفع من مداواة الجسد وإصلاحه، لأن مداواة الجسد تابعة لمداواة النفس. إذ في مداواة النفس صلاح الجسد فمما لايجهله أحد أن كثير من الأمراض العضوية سببها الأمراض النفسية وما عم إصلاح النفس والجسد معاً أفضل وأولى بالاهتمام به مما خص إصلاح الجسد فقط.
والوجه الثاني: دفع مظالم الناس الذين لم تصلحهم الموعظة؛ وهذه منفعة عظيمة جلليلة، لا بقاء لأحد في هذه الدنيا، ولا صلاح لأهلها إلا بها. وليست كذلك منفعة العلوم الانسانية والطبيعية، ولا سبيل إلى منع التظالم ولا إلى إيجاد التعاطف بغير النبوة أصلاً.
والوجه الثالث: هو نجاة النفس فيما بعد خروجها من هذه الدار، من الهلكة التي ليس معها ولا بعدها شيء من الخير، ولا سبيل ألبتة إلى معرفة حقيقة مراد الخالق منها ولا إلى معرفة طريق خلاصنا إلا بالنبوة.
فصل
فإذا قد صح هذا كله: فالواجب على العاقل ألا يقطع دهره إلا بطلب معرفة ما ينجيه في الآخرة؛ ولا يشتغل من سائر العلوم إلا بمقدار ما يزيل عن نفسه عمى الجهل ويعرف وما يتعلق بالديانة منها، ثم يرجع إلى ما فيه خلاصه.
فصل
من طلب علم الشريعة ليدرك به رياسة أو يكسب به مالاً فقد هلك، لأنه طلبه لغير ما أمره خالقه أن يطلبه، لأن خالقنا - عزَّ وجلَّ - إنما أمرنا أن نطلب ما شرع لنا لننجو به بعد الموت من العذاب والسخط فمن طلبه لغير ما أمره به خالقه حبط عمله وضل سعيه.
فصل
من أخذ علم الشريعة عن غير ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله تعالى بها، واتبع من لم يأمره الله تعالى باتباعه فقد خاب وخسر وبطل عمله، وهذا هو الذي مضى عليه جميع أهل الحق من الذين صحبوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فمن بعدهم، جيلاً جيلاً؛ فكل حادث غير ما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو باطل مفترى، والباطل فرض اجتنابه، وبالله التوفيق.
استدراك(كتبه كامل محمد)
"هذا كان بيان ما سأل عنه صاحبى بغاية الاختصار والبيان ونهاية البرهان وهو فرد من الأفراد وهذا ما يطلق عليه بعض العلماء (الحكم بالجزئية) أما بالنسبة إلى الجماعات والحكومات والدول (الحكم بالكلية) فالأمر على خلاف ذلك وهنا مكان فروض الكفايات فيجب على الجميع أن يكون عندهم علماء فى جميع العلوم التى عليها قيام الدنيا وأذا رفض الأفراد كَلَّف وَلِىّ الأمر من يجد فيه أهلية لهذا وكان هذا فرض عين على من كلفه الحاكم (كامل)"
والحمد لله كثيراً، وصلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم تسليماً كثيراً.