المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البراهين على صحة قبول خبـر الآحـاد


كامل محمد محمد محمد عامر
03-02-2016, 08:51 AM
البراهين على صحة قبول خبـر الآحـاد
يقول الله عز وجل: } وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ{[التوبة 122].
فقد انطوى في هذا الأمر إيجاب قبول نذارة منْ نَفَر ليتفقه في الدين والطائفة في لغة العرب يقع على الواحد فصاعداً ، وطائفة من الشيء بمعنى بعضه هذا ما لا خلاف فيه بين أهل اللغة.
وبرهان آخر ، وهو أن رسول الله عليه السلام بعث رسولاً إلى كل ملك من ملوك الأرض المجاورين لبلاد العرب وأمرهم بتعليم من أسلم شرائعَ الإسلامِ فقد ألزم النبي عليه السلام كل ملك ورعيته قبول ما أخبرهم به ذلك الرسول وبَعْثة هؤلاء مشهورة بنقل التواتر من كافر ومؤمن ، لا يشك فيها أحد.
وكذلك من نشأ في قرية أو مدينة ليس بها إلا مقرىء واحد فإذا قرأ القرآن على ذلك المقرىء فلا أحد ينكر بأنه كلام الله تعالى فأي فرق بين نقله للقرآن وبين نقله لسائر السنن ، وكلاهما من عند الله تعالى ، وكلاهما فرض قبوله.
وأيضاً : لا خلاف أن النبي عليه السلام كان بالمدينة وأصحابه رضي اللـه عنهم مشاغيل في المعاش ، وبالضرورة نعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن إذا أفتى بالفتيا أو إذا حكم بالحكم يجمع لذلك جميع من بالمدينة ، هذا ما لا شك فيه ، لكنه كان يقتصر على من بحضرته ، ويرى عليه السلام أن الحجة إنما قامت على سائر من لم يحضره بنقل من حضره وهم واحد واثنان.
وبرهان آخر : قال الله تعالى : } يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:6].
فلا يخلو النافر للتفقه في الدين من أن يكون عدلاً أو فاسقاً ولا سبيل إلى قسم ثالث، فإن كان فاسقاً فقد أمرنا بالتبين في أمره من جهة أُخرى أو طريق أُخرى فأوجب ذلك سقوط قبول خبره ، فلم يبق إلا العدل. فكان هو المأمور بقبول نذارته؛ فصح بهذا كله أن كل ما نقله الثقة عن الثقة مبلغاً إلى رسول الله من قرآن أو سنّة ففرض قبوله والإقرار به والتصديق به واعتقاده والتدين به.
وقد صدَّق موسى عليه السلام قول المنذر له ، وخرج عن وطنه بقوله ، وصوب الله تعالى ذلك من فعله ، وصدق قول المرأة التي أباها يدعوه فمضى معها ، وصدق أباها في قوله إنها ابنته فصح يقيناً أن خبر الواحد مما يضطر إلى تصديقه يقيناً . والحمد لله رب العالمين .
مختصر بتصرف من كتاب الاحكام لابن حزم