المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صفة التفقه في الدين، وما يلزم كل امرىء طلبه من دينه


كامل محمد محمد محمد عامر
12-19-2015, 09:17 AM
من وحى أهل الحديث

صفة التفقه في الدين، وما يلزم كل امرىء طلبه من دينه


إعداد
دكتور كامل محمد عامر


مختصر بتصرف من كتاب
الإحكام في أصول الأحكام
للإمام المحدث الحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي القرطبي

1433هـ ــــ 2012م
(الطبعة الأولي)
صفة التفقه في الدين، وما يلزم كل امرىء طلبه من دينه


قال الله تعالى: { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122]
ففرض على العلماء تعليم كل فرد ما يلزمه من أُمور دينه.
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]
ففرض على كل أحد طلب ما يلزمه لنفسه مما ألزمه الله تعالى به.
فكل مسلم عاقل بالغ فرض عليه أن يعرف فرائض صلاته وصيامه وطهارته وأن يعرف ما يحل له ويحرم، من المآكل والمشارب والملابس والفروج والدماء والأقوال والأعمال، فهذا كله لا يسع جهله أحداً من الناس، وفرض عليهم أن يأخذوا في تعلم ذلك من حين يبلغون الحلم.
ثم فرض على كل ذي مال تعلم حكم ما يلزمه من الزكاة، فمن لم يكن له مال أصلاً فليس تعلم أحكام الزكاة عليه فرضاً.
ثم من لزمه فرض الحج، ففرض عليه تعلم أعمال الحج والعمرة. ولا يلزم ذلك من لا صحة لجسمه ولا مال له.
ثم فرض على التجار تعلم أحكام البيوع، وما يحل منها وما يحرم، وليس ذلك فرضاً على من لا يبيع ولا يشتري.
والناس في ذلك على مراتب، وعلى كل انسان أن يجتهد على حسب ما يطيق في البحث عما نابه من نص الكتاب والسنة ودلائلهما، ومن الإجماع ودلائله؛ ويلزم هذا إذا سأل الفقيه فأفتاه أن يقول له: من أين قلت هذا؟ فيتعلم من ذلك مقدار ما انتهت إليه طاقته وبلغه فهمه.

فصـــــــل
كل قرية أو مدينة فرض عليها أن يُنْتَدَب منهم من يتعلم جميع أحكام الديانة أولها عن آخرها، ويتعلم القرآن كله، ويكتب كل ما صح عن النبي عليه السلام من أحاديث الأحكام ويضبط كل ما أجمع المسلمون عليه وما اختلفوا فيه فإذا انتدب لذلك من يقوم بذلك فقد سقط الفرض عن باقيهم.
فصـــــــل
فرض على كل مسلم حفظ أم القرآن وقرآن ما، وفرض على جميع المسلمين أن يكون في كل قرية أو مدينة من يحفظ القرآن كله ويعلمه الناس ويقرئه إياهم، لأمر رسول الله عليه السلام بذلك.

النافرون للتفقه
الفرض عليهم: تقصي علوم الديانة على حسب طاقتهم من أحكام القرآن، وحديث النبي عليه السلام، ومعرفة السند الصحيح مما عداه ، هذا فرضه اللازم له.
وفرض عليه:
تعلم كيفية البراهين التي يتميز بها الحق من الباطل.
وكيف يعمل فيما ظاهره التعارض من النصوص.
وفرض عليه:
معرفة الناسخ من المنسوخ.

وكل هذا منصوص في القرآن:
قال تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] فهذا إيجاب لتعلم أحكام القرآن، وأحكام أوامر النبي عليه السلام، لأن هذين أصل الدين.
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات: 6] فوجب بذلك تعرف عدول النقلة من فساقهم، وفقهائهم ممن لم يتفقه منهم.
فأما معرفة كيفية إقامة البرهان فبقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111].
وقال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106] ففرض عليه معرفة الناسخ من المنسوخ.
فصـــــل
وفرض على من قصد التفقه في الدين: أن يستعين على ذلك من سائر العلوم بما لا غنى عنه لفهم كلام ربه تعالى، وكلام نبيه قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: 4] ففرض على الفقيه أن يكون عالماً بلسان العرب، ليفهم عن الله عز وجل وعن النبي ، ويكون عالماً بالنحو, فمن جهل اللغة وجهل النحو فلم يعرف اللسان الذي به خاطبنا الله تعالى ونبينا ، ومن لم يعرف ذلك اللسان لم يحل له الفتيا فيه، لأنه يفتي بما لا يدري، وقد نهاه الله تعالى عن ذلك بقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } [الإسراء: 36]
وبقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} [الحج: 3]
وبقوله تعالى: { هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 66]
وقال تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ } [النور: 15]
وفرض على الفقيه أن يكون عالماً بسير النبي ، ليعلم آخر أوامره وأولها، وحربه لمن حارب، وسِلْمه لمن سالم، وليعرف على ماذا حارب، ولماذا وضع الحرب، وحرم الدم بعد تحليله، وأحكامه التي حكم بها.

حد الفقه
حد الفقه: هو المعرفة بأحكام الشريعة من القرآن، ومن كلام المرسل بها عليه السلام، الذي لا تؤخذ إلا عنه، وتفسير هذا الحد:
المعرفة بأحكام القرآن وناسخها ومنسوخها
والمعرفة بأحكام كلام رسول الله ناسخه ومنسوخه، وما صح نقله مما لو يصح
ومعرفة ما أجمع العلماء عليه وما اختلفوا فيه
وكيف يَرُدّ الاختلاف إلى القرآن وكلام الرسول
فصـــــل
من علم مسألة واحدة من دينه
وكل من علم مسألة واحدة من دينه جاز له أن يفتي بها، وليس جهله بما جهل بمانع من أن يفتي بما علم، ولا علمه بما علم بمبيح له أن يفتي فيما جهل، وليس أحد بعد النبي إلا وقد غاب عنه من العلم كثير هو موجود عند غيره، فلو لم يفت إلا من أحاط بجميع العلم. لما حل لأحد من الناس بعد رسول الله أن يفتي أصلاً وهذا لا يقوله مسلم،
وقد بعث النبيُّ عليه السلام الأمراءَ إلى البلاد، ليُعَلِّموا الناس القرآن وحكم الدين، ولم يكن أحد منهم يستوعب جميع ذلك، لأنه قد كان تنزل بعدهم الآيات والأحكام وفى هذا بيان صحيح بأن العلماء، وإن فاتهم كثير من العلم، فإن لهم أن يفتوا ويقضوا بما عرفوا. فمن علم شيئاً من الدين علماً صحيحاً فله أن يفتي به، وعليه أن يطلب علم ما جهل مما سوى ذلك.
ومن علم أن في المسألة التي نزلت حديثاً قد فاته، لم يحل له أن يفتي في ذلك حتى يقع على ذلك الحديث.
وليس أحد بعد النبي إلا وهو يخطىء ويصيب، فليس خطأه بمانع من قبول صوابه.
أقسام العلماء
إما عالم يفتي بما بلغه من النصوص بعد البحث والتقصي، كما يلزمه، فهذا مأجور أخطأ وأصاب، وواجب عليه أن يفتي بما علم.
وإما فاسق يفتي بما يتفق له، مستديماً لرياسة أو لكسب مال، وهو يدري أنه يفتي بغير واجب.
وإما جاهل ضعيف العقل، ويفتي بغير يقين علم، وهو يظن أنه مصيب، ولم يبحث حق البحث، ولو كان عاقلاً لعرف أنه جاهل، فلم يتعرض لما لا يحسن.

فصــــل
من طالع أقوال الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم عصراً عصراً، ففرض عليه أن ينظر من أقوال العلماء كلها نظراً واحداً، ويُحَكِّم فيها القرآن والسنة، فيأخذ بالنص وإن لم يبلغه أن قائلاً قال به.