المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل يجوز تقليد أهل المدينة


كامل محمد محمد محمد عامر
10-29-2015, 01:27 PM
من وحى أهل الحديث

هل يجوز تقليد أهل المدينة

إعداد
دكتور كامل محمد عامر

مختصر بتصرف
من كتاب
الإحكام في أصول الأحكام
للإمام المحدث الحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي القرطبي


1433هـ ــــ 2012م

(الطبعة الأولي)


احتج قوم في تقليد أهل المدينة بقبول قولهم في المُدِّ [والمُدُّ، بالضم: مِكْيالٌ، وهو رِطْلانِ، أو رِطْلٌ وثُلُثٌ، أو مِلْءُ كَفَّيِ الإِنسانِ المُعْتَدِلِ إذا مَلأَهُما وَمَدَّ يَدَهُ بهما، وبه سُمِّيَ مُدًّا، وقد جَرَّبْتُ ذلك فَوَجَدْتُهُ صحيحاً، ج: أمدادٌ] ، والصاع، وهذا لا حجة لهم فيه، لأن هذا داخل فيما نقلوه مسنداً بالتواتر.
ولو كان قبول قولهم في المُدِّ والصاع موجباً لقبول قولهم في غير ذلك، لوجب تقليد أهل مكة في جميع أقوالهم، لاتفاق الأمة كلها يقيناً بلا خلاف من أحد منهم، على قبول قولهم في موضع عرفة، وموضع مزدلفة، وموضع مِنىً، وموضع الجمار، وموضع الصفا، وموضع المروة، وحدود الحِمى. فما خالف أحد من جميع فرق الإسلام، لا قديماً ولا حديثاً، قول أهل مكة.
وأيضاً فإن قولهم في المُدِّ والصاع هو أقل ما قيل، فهو حجة من هذه الجهة، كما لو قال غيرهم ذلك سواء ولا فرق. لأن قوم قالوا: الصاع ثمانية أرطال، وقال قوم: أكثر من ذلك، وقال جمهور أهل المدينة وقوم من غيرهم: خمسة أرطال ونيِّف. فكان هذا المقدار متفقاً على وجوب إخراجه في زكاة الفطر، وجزاء الصيد، وكفارة الواطىء في رمضان، والمُظَاهر، وحلق الرأس للمحرم قبل بلوغ الهَدْي محلّه، فوجب الوقوف عند الإجماع في ذلك، وكان ما زاد مختلفاً فيه لم يجب القول به إلا بنص ولا نص مسنداً صحيحاً في ذلك، فلم يجب القول بإخراج الزيادة على ذلك، بغير نص ولا إجماع وأيضاً فإن الخلاف في المُدِّ والصاع، فإنما هو خلاف رأي لا خلاف رواية عن النبي عليه السلام.
احتجوا بما روي من قول عبد الرحمن بن عوف لعمر رضي الله عنهما: "فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ فَتَقُولَ مَا قُلْتَ" [فى حديث طويل رواه البخاري: كِتَاب الْحُدُودِ بَاب رَجْمِ الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا إِذَا أَحْصَنَتْ]
والجواب: أن رسول الله عليه السلام أولى أن يتبع من عبد الرحمن بن عوف، وهذا رسول الله لم يجعل التبليغ الذي أمره الله به إلا في مكة في حجة الوداع في الموسم الجامع لكل عالم وجاهل. وهنالك قال رسول الله : «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ» فقال الناس: اللهم نعم، فقال : «اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ولم يجعل ذلك التبليغ العام الذي أقام به الحجة، في المدينة ولا في خاص من الناس، ولا بحضرة وجوه الناس خاصة دون الرعاع.
وكذلك لم يكتف رسول الله بقراءة سورة براءة في المدينة، وهي آخر سورة نزولاً، وهي الجامعة للسير وأحكام الخلافة والإمامة، حتى يبعث بها عليّاً ليقرأ في الموسم بمكة، في حجة أبي بكر رضي الله عنهما، بحضرة كل من حضر.
وإنما يكون الانفراد بوجوه الناس في الآراء التي تدار، ويستضر بكشفها وتجري مجرى الأسرار، ومثل هذا كانت مقالة عمر، التي حضه عبد الرحمن على تأخيرها إلى أن يخلو بوجوه الناس، ولم تكن من الشرائع الواجب معرفتها، من الفرض والحرام والمباح، ونحن إنما نتكلم في الشرائع التي تلزم أهل الصين وأقاصي بلاد السند كما يلزم الصحابة وأهل المدينة لزوماً مستوياً لا تفاضل فيه.
والعجب أن القائلين بهذا قد خالفوا إجماع أهل المدينة حقّاً فمن ذلك سجودهم مع عمر في {إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ } يوم جمعة، فقالوا: ليس عليه العمل فتركوا إجماع أهل المدينة.
فأمور الديانة لا تؤخذ إلا من نص منقول، ولا نص على وجوب اتباع أهل المدينة دون غيرهم.