المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أحكام الجرح و التعديل


كامل محمد محمد محمد عامر
09-07-2015, 11:03 PM
من وحى أهل الحديث

من أحكام الجرح و التعديل


إعداد
دكتور كامل محمد عامر

مختصر بتصرف من كتاب
الإحكام في أصول الأحكام
للإمام المحدث الحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي القرطبي



1433هـ ــــ 2012م
(الطبعة الأولي)

من عَدَّلَهُ عَدْلٌ وجَرَّحَهُ عَدْلٌ فهو ساقط الخبر
فالتجريح يغلب التعديل لأنه علم زائد عند المُجَرِّحِ لم يكن عند المُعَدِّلِ ، وليس هذا تكذيباً للذي عَدَّلَ بل هو تصديق لهما معاً.
قالوا: قد يكون عند المعدل علم لم يكن عند المجرح.
قيل: كل من جمع عدالة ومعصية فأطاع في قصة فصلى وصام وفسق في أخرى فأتى كبيرة أو جاهر بصغيرة ، فإنه فاسق عند جميع الأمة بلا خلاف، ولو لم يفسق إلا من لايعمل شيئاً من الخير لما فسق مسلم أبداً ولو أخذنا بالتعديل وأسقطنا التجريح لكنا قد كذبنا المجرح وذلك غير جائز.

ولا يقبل في التجريح قول أحد إلا حتى يبين وجه تجريحه
فإن قوماً جرَّحوا آخرين بشرب الخمر ، وإنما كانوا يشربون النبيذ المختلف فيه بتأويل منهم أخطؤوا فيه ، ولم يعلموه حراماً ولو علموه مكروهاً فضلاً عن حرام ما أقدموا عليه ورعاً وفضلاً ، منهم الأعمش وإبراهيم وغيرهما من الأئمة رضي الله عنهم ، وهذا ليس جرحة لأنهم مجتهدون طلبوا الحق فأخطؤوه .

ولا يكون الجرح في نقلة الأخبار إلا بأحد أربعة أوجه لا خامس لها :
الأول: الإقدام على كبيرة قد صح عند المُقْدِمِ عليها بالنص الثابت أنها كبيرة.
والثاني : الإقدام على ما يعتقده المرء حراماً وإن كان مخطئاً فيه قبل أن تقوم الحجة عليه بأنه مخطىء.
والثالث: المجاهرة بالصغائر التي صح عند المجاهر بها بالنص أنها حرام ، وهذه الأوجه الثلاثة هي جرحه في نقلة الأخبار وفي الشهود ، وفي جميع الشهادات في الأحكام وهذه صفات الفاسق بالنص وإنما أسقطنا المستتر بالصغائر للحديث الصحيح في الذي قبّل امرأة فأخبره عليه السلام أن صلاته كفَّرت ذلك عنه عن علقمة والأسود عن عبد الله قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها وأنا هذا فاقض في ما شئت فقال له عمر لقد سترك الله لو سترت على نفسك فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فانطلق الرجل فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فدعاه فتلا عليه ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) إلى آخر الآية فقال رجل من القوم هذا له خاصة قال لا بل للناس كافة. [قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح تحقيق الألباني :حسن صحيح ]
ولقوله عز وجل : {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا } [النساء: 31] فمن غفر الله له فحرام علينا أن نثبت عليه ما قد غفر الله تعالى له.
وكذلك التائب من الكبائر ومن الكفر أيضاً فهو عدل وليس هذا من باب ثبات الحد عليه في شيء لأن الملامة ساقطة عن التائب ، والحد عنه غير ساقط على حديث ماعزفإن النبي رجمه بعد توبته وأمر بالاستغفار له ونهى عن سبه وإنما قلنا : إن المجاهرة بالصغائر جرحة للإجماع المتيقن على ذلك ، والنص الوارد من الأمر بإنكار المنكر ، والصغائر من المنكر لأن الله تعالى أنكرها وحرمها ونهى عنها ، فمن أعلن بها فهو من أهل المنكر فقد استحق التغيير عليه بقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"[مسلم: كِتَاب الْإِيمَانِ بَاب بَيَانِ كَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مِنْ الْإِيمَانِ] ومن كان من أهل المنكر في الدين فهو فاسق لأن المنكر فسق والفاسق لا يقبل خبره.
وصح بما قدمنا أن المستتر بالصغائر ليس صاحبه فاسقاً ولا يجب التغيير عليه ، ولا الإنكار عليه ، لأنه لم ير منه ما يلزمنا فيه تغيير ولا إنكار ولا تعزير ، ولو أن امرأً شهد على آخر بأنه يتستر بالصغائر لكانت شهادة الشاهد عليه بذلك مردودة وكان ملوماً ، ولم يجز أن يقدح ذلك في شهادة المستتر بها لوجهين :
أحدهما أنه لا ينجو أحد من ذنب صغير .
والثاني أنه معفو عنه.
ولو شهد على أحد أنه يستتر بكبيرة لقبلت شهادته عليه، ولردت شهادة المستتر بها لأنها ليست مغفورة إلا بالتوبة، أو برجوح الميزان عند الموازنة يوم القيامة.
والرابع ينفرد به نقلة الأخبار دون الشهود في الأحكام وهو ألا يكون المحدث إلا فقيهاً فيما روى أي حافظاً، لأن النص الوارد في قبول نذارة النافر للتفقه إنما هو بشرط أن يتفقه في العلم ، ومن لم يحفظ ما روى فلم يتفقه ، وإذا لم يتفقه فليس ممن أمرنا بقبول نذارته (حَفِظَه، كعَلِمَه: حَرَسَه، والحِفْظُ: قلَّةُ الغَفْلَةِ. الفِقْهُ، بالكسر: العِلْمُ بالشيءِ، والفَهْمُ له، والفِطْنَةُ، وغَلَبَ على عِلمِ الدينِ لشَرَفِه. وفَقِهَهُ، كعَلِمَهُ: فَهِمَهُ،)[القاموس المحيط] ، وليس ذلك في الشهادة ، لأن الشرط في الشهادة إنما هي العدالة فقط بنص القرآن ، فلا يضر الشاهد أن يكون معروفاً بالغفلة والغلط ، ولا يسقط ذلك شهادته إلا أن تقوم بينة بأنه غلط في شهادة ما ، فتسقط تلك التي غلط فيها فقط ، ولا يضر ذلك شهادته في غيرها لا قبل الشهادة ولا بعدها ، بل هو مقبول أبداً ، ولا يحل لأحد أن يزيد شرطاً لم يأت به الله تعالى ، فقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ" [البخاري:كِتَاب الشُّرُوطِ بَاب الْمُكَاتَبِ وَمَا لَا يَحِلُّ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ] فمن شرط في العدل في الشهادة خاصة أن يكون غير معروف بالغلط، فقد زاد شرطاً ليس في كتاب الله عز وجل ، فهو مبطل فيه.