المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المهم والأهم ياطلبة العلم الشرعي


أبو أنس الأنصاري
04-10-2008, 05:56 AM
خطبة مفرغة للشيخ : صالح بن عبد العزيز آل الشيخ


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله حق الحمد، وأشهد أن لا إله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة فصلى الله على آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأسأل الله جل وعلا لي ولكم الإخلاص والصدق في القول والعمل، وأسأله أن يجعلنا من أهل البصيرة في أقوالهم وأعمالهم وفيما قام بقلوبهم، وأسأل الله جل وعلا لي ولكم حسن الختام والموت على التوحيد وعلى تحقيق شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ثم أما بعد:
فإن هذا الموضوع الذي بعنوان:

المهم والأهم

مما تنافس في إدراكه العلماء والعقلاء؛ لأنه قد قيل في الأمثال السائرة بين العلماء: إن كل إنسان يعرف الخير من الشر؛
لأن الله جل وعلا هدى الإنسان إلى النجديين وهما طريقي الخير والشر، قالوا: والعاقل هو يعلم خير الخيريين لتحصيل ذلك الأخْيَر وشر الشرين ليجتنب الأشر عند تزاحم الخيرين أو عند توارد الشرين.
الأهم والمهم: مما ينبغي لطالب العلم في نفسه أن يعلمه؛ بل ولكل مسلم أن يعلم ما يحتاج إليه منه، وينبغي للداعية أن يعلم ذلك وأن يكون بين عينيه، وكذلك ينبغي للآمر والناهي أن يكون رعاية الأهم والمهم أن تكون رعاية ذلك نصب عينه وفي قلبه.
الأهم والمهم مأخوذ من وصية النبي عليه الصلاة والسلام، فهو أصل شرعي عليه دليله من الكتاب ومن السنة ومن النظر.
وأصله الواضح من السنة قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام لما بعث معاذا إلى اليمن قال له «إِنّكَ تَأْتِي قَوْما أَهْلَ كِتَابِ فليكن أول ما تدعوهم إليه شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وأنّ محمداً رسولُ اللّهِ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمٍ وَاللَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زكاة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم»،
قال إمام هذه الدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في مسائل كتاب التوحيد على هذا الحديث قال: وفيه البداءة بالأهم فالأهم. رعاية الأهم وتقديمه على المهم أصل شرعي دلّ عليه هذا الحديث،
فإن الصلاة أعظم الأركان العملية في الإسلام ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة؛ ولكن التوحيد أهم منها ولهذا بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام في دعوته بالتوحيد،
أمره ربه بأن يبدأ بذلك وقال له

{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [محمد:19]

أمر معاذا أن يبدأ بالأهم وهو التوحيد ومعاذ داعية وهذا لاشك تقرير لأصل هذه المسألة وهو الأهم مقدم على المهم، فالصلاة مهمة للغاية وقدم عليها في الدعوة التوحيد لأنه الأصل ولأنه زبدة الرسالات الإلهية كما سيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل هذه الجملة.
رعاية الأهم ومعرفة المهم مصدرها الشرع، وليست العقول والأقيسة والاجتهادات بغير دليل مصدر ذلك، فقد يكون في الاجتهاد المماثلة؛ ولكن يظهر في نصوص الشرع المفارقة، فانظر مثلا إلى ركعتي الفجر مع أنها ركعتان كيف كانت مفضلة على الرباعية ?

{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } [الإسراء:78]

وكيف كانت هذه الصلاة فارقة بين المنافق والمؤمن، صلاة الفجر مثلا من حيث كونُها ركعتين متساوية في الصورة لصلاة النفل ركعتين؛ ولكن مع تساوي الصورة وتساوي القصد وهو الامتثال وتساوي الخشوع و الخضوع في الأصل فيهما؛ لكن الله جل وعلا جعل ركعتي الفجر -يعني الفريضة- مفضلة على ركعتي الفجر النافلة وعلى أي نافلة هي ركعتان.
وهذا يدل على أن التفضيل وبيان الأهم من المهم إنما هو مصدره الشرع مصدره النصوص، فإن العقل المجرد قد يظن تساوي هذا وهذا.
كذلك ريال يتصدق به وريال مثله يؤديه زكاة، الذي يؤديه في الزكاة أفضل من الريال الذي يؤديه صدقة مع تساويهما في الإحسان إلى المحتاج ومع تساويهما في القيمة؛ ولكن الله جل وعلا جعل هذا أفضل من ذاك وجعل الزكاة أهم من الصدقة.
كذلك في الحج: حج الفرض يتساوى مع حج النفل في الصورة في الأعمال في الواجبات في الأركان؛ ولكن حج الفرض أهم وأهم من حج النافلة.
كذلك العمرة، كذلك كثير من أعمال الشرع فإنها تتساوى في الصورة تتساوى في الأعمال في الأركان والواجبات وربما المستحبات؛ لكن تختلف مقاماتها عند الله جل وعلا وما يجب أن يقدّم عند التزاحم يختلف، وذلك ومصدر الاختلاف ومصدر التقديم عند المؤمن إنما هو النصوص.
لهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «قال الله تعالى: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن استعاذني لأعيذنه ولئن سألني لأعطينه وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له من ذلك».
دل الحديث على أن التفضيل وبيان الأهم عند المسلم مصدره الشرع مصدره النصوص، وهذا تبع لأصل عام وهو كما يقول العلماء: أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها وجاءت لتقليل المفاسد أو درئها،
جاءت الشريعة بتكميل المصالح وتحصيلها وجاءت بتقليل المفاسد أو درئها ودرئها أيضا، هذه القاعدة العظيمة معناها أن المصالح تحقيقها جزء من الشرع؛ بل غرض الشارع تحقيق المصالح أو استكمال المصالح.
وإذا تقرر هذا فإن المصالح الشّرعية إنما تكون من أحد طريقين:

الطريق الأول: أن يُنص في الشرع على المصلحة أو أن يكون الأمر الشرعي ظاهرا بيّنا في أمر ما، فإذا كان كذلك فحيث جاء النص فالمصلحة ثَمّ وليس العكس، حيث جاء النص فالمصلحة ثَم، فإذا جاءنا النص الشرعي فنعلم أن ما جاء به النص فهو الأهم وهو سبيل المصلحة.
الطريق الثاني: ألا يعلم النص، أن تكون المسألة حادثة، أن تكون المسألة مجتهدا، فيها فهذا يجتهد فيه العلماء بحسب المصلحة، فما كانت المصلحة فيه أتم وأكثر فإننا نعلم بذلك أن الشرع أراد تحقيق المصالح أو تكميل المصالح، إذا كان ثَم مفسدة فإن الشرع يريد بتشريعه -من مقاصد الشارع في أحكامه- أن بدرء المفاسد أو أن يقللها، فإذا اشتبه الأمر ولا نص فإن رعاية المصالح أصل من أصول الشرع وإن درء المفاسد أصل من أصول الشرع.
إذا تبين لك ذلك فإن رعاية هذه المسألة وتمييز المسلم فضلا عن الدّاعية فضلا عن طالب العلم، إنّ تمييزه بين المهم والأهم هذا من أعظم المقاصد التي لابد أن يحرص عليها المسلم والداعية وطالب العلم والعالم أيضا؛ لأن معرفة الترجيح بين هذا وهذا ينقض المرء من كثير من الإشكالات.
ولهذا نقول: إن الصور التي يكون فيها مهم وأهم، إن الحالات التي يكون فيها مهم وأهم، يجب فيها أن يُقدم الأهم على المهم، ومعرفة الأهم والمهم مصدرها الشرع فيها جاءت النصوص به، أو مصدرها اجتهاد العلماء فيما جاء به اجتهاد العلماء؛ يعني في النوازل.
فمن المسائل التي فيها أهم ومهم وهي كثيرة لا تفي بها هذه العجالة، منها أن شرائع الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم والحج وسائر الفرائض هذه تحصيلها مهم؛ ولكن تحصيل التوحيد أهم.
وهذه القاعدة تنفع المسلم في إقباله على الحياة حيث إنه يعلم أن الأهم التوحيد، وأن الشرائع بعد ذلك، وذلك مستفاد من الحديث الذي سبق ذكره؛ وأن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قدّم التوحيد على غيره في الدعوة وكذلك قدم التوحيد على غيره من أركان الإسلام فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ قال «بُنِيَ الإسْـلامُ عَلَى خَمْس: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إلَهَ إِلَا الله، وَأَنَّ مُحَمَدََا عبْدُه ورسُوله، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رمَضَانَ وَحَجِ بَيْتِ الله الحرام» فالتوحيد أهم.
يترتّب على ذلك أن يحرص المسلم على تصحيح عقيدته وتوحيده أعظم من حرصه على التفقه في فروع صلاته وأموره، نعم إن إتيانه بالصلاة والزكاة والصوم والحج واجب عليه، يجب عليه أن يأتي بها عن توحيد؛ ولكن تنقية التوحيد وتعلم التوحيد وما يضاد التوحيد أهم من تعلّم غيره؛ لأن بالتوحيد يثبت المرء في السؤال عند القبر، فإن المؤمن عند قبره فإن المقبور يسأل في قبره عن ثلاث مسائل كلها في التوحيد، عن ثلاثة أصول كلها في التوحيد وهي: من ربك؟ يعني من معبودك؟ من نبيك؟ ما دينك؟

وإذا صلح توحيد المسلم كان ما بعده على رجاء العفو والغفران.
في حق كل مسلم يجب عليه أن يرعى أن التوحيد أهم المهمات، وأن ما بعده من شرائع الإسلام مهم؛ قد يكون واجبا قد يكون مستحبا ولكنه ليس في منزلة التوحيد، يتفرّع عن ذلك الأحكام التي يصدرها المسلم على ما يرى من المجتمعات أو من الدول أو من الأوضاع أو من الدعوات أو غير ذلك، فإن العُمدة في ذلك رعاية الأهم وهو القيام بحق الله على العباد ألا وهو التوحيد، والقيام بنفي ضد ذلك ألا وهو الشرك.
فإن ترك المعاصي ترك المحرمات ترك الكبائر مهم وأهم منه ترك الشرك والبعد عن الشرك لأن الشرك لا يغفر، والمعاصي إذا كانت واقعة من مسلم موحّد فإنها على رجاء الغفران.
هذا ينفع المسلم فيها يأتيه ويذره، ينفع في تقييمه للأمور، ينفعه في تقييمه للأموال والأوضاع فهذه المسألة عظيمة الأهمية.

المسألة الثانية أن الدعوة إلى الله جل وعلا مهمة، ورعاية فقه الأولويات فيها أهم، الله جل وعلا أمر بالدعوة فقال لنبيه

{ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ } [النحل:125]

وقال لنبيه

{ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي }[يوسف:108]

وقال سبحانه

{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين } [فصلت:13]،


وقال سبحانه
{ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل:125].

والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ حث على الدعوة في أحاديث كثيرة ومنها قوله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ لعلي في الحديث المتفق عليه الذي رواه سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال لعلي
«لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمْر النعم» يعني من الإبل الحمراء التي كان يتنافس فيها العرب في اقتنائها لعظم قيمتها، أمر الدعوة معلوم أهميته، معلوم قدره، معلوم فضل من عاناه وزاوله في أخص خاصته أم في أمر العامة، معلوم أهمية أمر الدعوة على سبيل الأفراد أو على سبيل الجماعات؛ ولكن من المهم في الدعوة أن يرعى فقه الأولويات فيها، معنى فقه الأولويات أن يُبدأ في الدعوة بالأولى فالأولى، فنبه على ذلك؛ بل أوضح ذلك نبينا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في رسالة لداعية من دعاة الإسلام وهو معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث قال له «فليكن أول ما تدعوهم إليه»
هذا فيه بيان لفقه الأولويات في الدعوة.

الدعوة إلى شرائع الإسلام مطلوبة كلها مهمة.
الدعوة إلى نفلٍ مهم، الدعوة إلى مستحب مهم؛ ولكن الدعوة إلى الفرائض أهم.
الدعوة إلى ترك المكروهات مهمة؛ ولكن الدعوة إلى ترك الموبقات والمعاصي والكبائر أهم.
الدعوة إلى ترك الصغائر مهمة؛ ولكن الدعوة إلى ترك الكبائر أهم.الدعوة إلى الإتيان بالفرائض العملية ولكن الدعوة إلى التوحيد أهم.

يعني أن الدعوة مترتبا بترتيب أولوياتها هناك شيء مهم، هناك شيء أولي؛ ولكن هناك شيء أولى منه، وهكذا فمراتب الدعوة متنوعة، مراتب الدعوة درجات، وهذا إنما يظهر بالفقه في حال المدعوين، وهذا يختلف باختلاف البلاد، فهناك اختلاف البلاد بل واختلاف الأحوال والأشخاص، فالبلد التي يظهر فيها الشرك لا يعلم أهلها حق لله جل وعلا عليهم، فإن أول ما يدعى أهلها إليه أن يُدعوا إلى حق الله جل وعلا الأعظم عليهم وهو أن يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئا، وهذه هي زبدة رسالات المرسلين جميعا


{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } [النحل:36]

وهذا من أعظم ما يرعى.
يكون الداعية في بلد يجهل أهلها بالعقيدة الصحيحة، يجهل أهلها التوحيد، فهذا يبدأ بهم بهذا الأمر الأعظم، ويدرجهم فيه الأهم فالأهم، كما قال الشيخ رحمه الله في مسائله: وفيه البداءة بالأهم فالأهم.


* ياليت شباب اليوم يفهمون هذا الكلام


والدعوة إذا تركت رعاية فقه الأولويات فإنها لا تصل إلى مبتغاها؛ لأنها قد فاتها الإتباع للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في دعوته رعى الأولويات رعاية تامة، فدعوته في مكة معلومة تفاصيلها، ثم دعوته في المدينة معلومة تفاصيلها أيضا.

دعوة الأفراد أيضا يُبدأ فيها بالأهم فالأهم، ما يأتيه المرء بالواجبات الشرعية يبدأ فيه بالأهم فالأهم، مثلا يأتي المرء ويبذل جهده وحسن خلقه؛ بل ويبذل من ماله لمن يدعوه خارج بيته، وربما هو في داخل بيته لا يبذل حسن، لا يبتذل مالا للدعوة، وهؤلاء أعني من بداخل البيوت بشر ومن هم خارج البيوت بشر، والجميع الدخول إلى قبولهم الدخول بطريقة واحدة؛ يعني في أصولها فرعاية البيوت أهم من رعاية من هم خارج البيوت،

ولهذا تجد أن طائفة يدعون الناس خارج البيوت إلى أحسن ما تكون الدعوة في رعاية وحسن خلق وبذل مال وبذل عطاء ونحو ذلك؛ ولكنهم في بيتهم لا يبذلون ذلك مع أنّ نصيحة من في البيوت وتربية من في البيوت واجبة،
ونصيحة من هم خارج البيت بيت المسلم ليست بواجبة إنما هي مستحبة على العين وقد تجب على الكفاية، الله جل وعلا قال لنبيه :

{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ }[الشعراء:214]

وقال سبحانه :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } [التحريم:6].

فإن البداءة في الدعوة مهمة من حيث الأشخاص بمن تبدأ في دعوتك والفشل كل الفشل أن يفشل المرء مع قرابتته وأهله؛ ولكنه تجده مع الأصدقاء أو من الزملاء أو مع من يعاشرهم ناجح، كيف صار ذلك؟
هذا من جراء عدم رعاية الأولويات والواجبات الأهم فالأهم، وإلا لو رأى ذلك لكان بذله وحسن خلقه عطاءه في بيته أعظم مما يفعله من ذلك خارج بيته.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهم؛
لأن الله جل وعلا أمر به في كتابه فقال

{ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[آل عمران:104]

ولكن رعاية ما توجبه الشريعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهم من الإتيان بمطلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
ولهذا يذكر علماء السنة في عقائدهم فصلا متعلقا بالأمر بالمعروف والنهي وهو ما يسمى بمنهج معاملة الخلق،
فقال شيخ الإسلام مثلا في العقيدة الواسطية في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة قال:
هم مع ذلك يأمرون-يعني من العقائد التي ذكرها في عقيدته- قال: وهم مع ذلك يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة. لأن الأمر والنهي قد ادعاه كثيرون، وادعته الخوارج، فإن الخوارج فيما فعلوا إنما فعلوا مريدين حقيقة الأمر والنهي، ادعته المعتزلة فيما فعلوا، ادعته الرافضة فيما فعلت، وهم في ذلك مجانبون لحسن الأمر والنهي، ولا يكون الأمر والنهي حسنا حتى يكون موافقا لما توجبه الشريعة، ولهذا قيده شيخ الإسلام في الواسطية بقوله: وهم مع ذلك يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة.

فإذن رعاية الأمر والنهي مهم؛ ولكن رعاية ما توجبه الشريعة في الأمر والنهي أهم.
ولهذا قال العلماء: ليكن أمرك بالمعروف من المعروف، وليكن نهيك عن المنكر بمنكر،
وقال شيخ الإسلام في رسالته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: من لم يتبين له وجه الترجيح بين المصالح والمفاسد فليس له الحق أن يدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ميدانه واسع، يدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوى الأفراد، يدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوى البلد، يدخل في الأمر والنهي على مستوى المجتمعات، يدخل فيه الأمر والنهي على ما هو أعظم من ذلك.
فالأمر والنهي يحمد ومطلوب وواجب في الشرع؛ ولكن أهم منه أن يكون الأمر بالمعروف بالمعروف وأن يكون النهي عن المنكر ليس بمنكر، ولهذا قال (على ما توجبه الشريعة)، فهذا القيد أهم من الإتيان بالأمر والنهي.
ولهذا اشترط العلماء في الآمر الناهي أن يكون عالما بما يأمر به وينهى عنه، عالما بتحقيق المصالح ودرء المفاسد، وغير ذلك من الشروط.
ولهذا نستفيد من هذه أن الأمر والنهي إذا كان مهما، فأهم منه فقه الأمر والنهي، معرفة ما توجبه الشريعة في ذلك؛ لأن هذا به تصلح الأحوال، أرأيت أن رجلا لم يرع ذلك كيف سيخرجه عدم رعايته لما يوجبه الشرع من الأمر والنهي إلى أمور مخالفة لما أراده الله جل وعلا وأراده رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
من معاملة الناس يأتي إلى رجل لا يصلي أصلا فيأمره بالوتر،
يأتي إلى رجل لا يصلي أصلا فيأمره بأحد المستحبات،
أو يأمره بأمر من الأمور بالأخرى من الذكر في الصباح والمساء، يأتي إلى رجل لا يحضر الصلاة فينهاه عن مشاهدة النساء،

نعم نهيت وأمرت؛ ولكن ما رعيت فقه الأمر والنهي؛
لأن القلوب جعلها الله جل وعلا تقبل الحق شيئا فشيئا، لا تقبله جملة، وتترك الشر جملة، وإنما في الغالب أن تقلبه شيئا فشيئا.
فإذن الإتيان بشروط الأمر والنهي هذا به يحصل المقصود،

يتفرع عن هذا الأصل فرع آخر ذكره شيخ الإسلام وابن القيم وجماعة، وهو أنّ الغيرة على دين الله مهمّة؛ ولكن الأهم أن تكون الغيرة مضبوطة بضوابط الشرع وبأدلة الشرع.
يقول ابن القيم رحمه الله في المدارج: إذا انغلق على المرء باب الغيرة على دين الله انغلق على قلبه محبة الله، وإذا انغلقت عن قلبه أبواب محبة الله انغلق على قلبه باعث العمل الصالح، وإذا فقد العمل الصالح قرب من كل شر وسوء.فالغيرة على دين الله، على محارم الله، على حدود الله، على الإسلام وأهله، هذا أمر واجب ومطلوب، وبه تفتح أبواب الخيرات على قلب العبد المؤمن؛
ولكن أهم منه أن تكون هذه الغيرة الواجبة قامت في القلب على وفق ما أرشد إليه الشرع، الفِرق التي ضلت في باب معاملات الصحابة، وفي باب معاملة الولاة وفي باب معاملة المسلمين من حيث تكفيرهم تكفير العصاة، ومن حيث تضليل الأمة ونحو ذلك أتى لهم ما قالوه أو فعلوه أو اعتقدوه من جهة الغيرة، كانوا أصحاب غيرة على دين الله، غاروا على القرآن، غاروا على الإسلام؛ ولكن غيرتهم لم تكن على وفق الشرع فصارت باطلة قادتهم إلى السوء.
ولهذا قال العلماء: إن الغيرة تكون محمودة وتكون مذمومة، فإذا كانت على وفق الشرع كانت محمودة، وإذا كانت على وفق الهوى كانت مذمومة.
وهذا الباب باب واسع، نعم الغيرة أمرها مطلوب؛ بل إنها ينفتح على القلب المؤمن الأعمال الصالحة ومحبة الله جل وعلا، النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يغار على حرمات الله، يُرى في وجهه الغضب على حرمات الله، والله جل وعلا أغير على حرماته من خلقه، إن الله جل وعلا يغار أن يزني عبده أو أن تزني أمته، والنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يغار على حرمات الله وكل مؤمن متبع للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يغار الغيرة الشرعية.
ولكن افترق الناس في هذه الغيرة، منهم من غار غيرة محمودة ومنهم من غار غيرة مذمومة.
منهم من غار الغيرة المذمومة فقادته إلى مخالفة أمر الله في المنهج والسلوك والمواقف مع الناس ومع الجماعات ونحو ذلك، فيجب أن تكون الغيرة على وفق الشرع.
الغيرة بمنهج أهل السنة والجماعة مطلوبة وواجبة؛ لكن الأهم منها أن تكون الغيرة على عقيدة أهل السنة والجماعة على ما أصّله أهل السنة والجماعة، فإن الغيرة عليها قد تنحرف بالمرء إلى مهاوي الردى بأن يغار بهواه، وتكون غيرته ناتجة عن سوء فهم، ويكون قصده صحيحا ولكن يكون فعله....
وقد كان في الأمة من هؤلاء كثير في كل زمن، فأهل السنة بين الغالي والجافي؛ منهم من غلا ومنهم من جفا، والمحققون المتابعون للسنة والجماعة بين هذا وهذا.
فالغيرة على الدين، الغيرة على التوحيد، الغيرة على عقيدة أهل السنة والجماعة، الغيرة على علماء الإسلام، هذه يجب أن تكون على أصولها، وهذا أهم لأنها إن لم تكن على أصولها الشرعية قادت أصحابها إلى مهاوي الردى والعياذ بالله، ضلوا فأضلوا، أو زلوا فأزلوا، ولهذا كان دعاء العلماء وأخص الدعاء بالعلماء أنهم يقولون في دعائهم عند خروجهم من بيوتهم؛ بل وفي كل حال: اللهم إنا نعوذ بك أن نزل أو نزل، أو نضل أو نضل أو أن نجهل أو يجهل علينا. هذا من الدعاء العظيم؛ لأنه بالزلل يحصل الخلل والمرء يجب عليه أن يتابع الشرع في ذلك كله.
إصلاح الظاهر بالمتابعة سنة النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ مهم؛ ولكن إصلاح الباطن بالإخلاص أهم؛
لأن المتابعة منها ما هو واجب ومستحب، وأما الإخلاص فهو واجب والإخلاص هو تصفية القلب من إرادة سوى الله جل وعلا بالقول أو بالعمل أو بالاعتقادات يخلص القلب عن إرادة ما سوى الله جل وعلا.
إن الاتباع الظاهر للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وإن صلاح الظاهر مهم؛ ولكن إصلاح الباطن بحسن المعاملة والتعامل وصدق التعامل مع الله جل وعلا هذا أهم؛
لأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب، فكم من إنسان لم يصلح قلبه وكان ظاهره صالحا، ثم ضل بعد ذلك لأجل عدم رعايته لصلاح قلبه،
وقد قال العلماء في الحديث الذي جاء فيه أن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، ورجل آخر يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذارع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها
قال العلماء: من عمل بعمل أهل الجنة في الظاهر ثم خُتم له بسوء الخاتمة، الغالب في هؤلاء أنهم لم يصلحوا باطنهم، وإنما كان ظواهرهم صالحة وأما بواطنهم ففيها من الشكوك والشبهات والشهوات ما الله بها عليم.
فالواجب على العبد أن يرعى ظاهره لأنه مهم، ويرعى ما هو أهم من ذلك برعاية باطنه وهو قلبه بإصلاحه وإخلاص القصد والعمل والوجه لله جل وعلا،
ولهذا قال تعالى فيمن ادعوا الجنة قال سبحانه

{ وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }[البقرة:111]
بيّن أن البرهان صلاح الباطن وصلاح الظاهر، وقدّم صلاح الباطن على صلاح الظاهر لأهميته وقال سبحانه بعد هذه الآية ?بَلَى? يعني سيدخل الجنة ?مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ?[البقرة:112] من أسلم بالإخلاص وهو ومحسن وهو متابع للنبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وهو محسن بقوله وفعله.

طلب العلم وتعليم العلم مهم، ورعاية التدرج فيه أهم،
إن طلب العلم مهم، العلماء رفع الله قدرهم في الدنيا وفي الآخرة قال سبحانه

{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }[المجادلة:11]

وقال سبحانه


{ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا }[طه:114]
وقال


{ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }[الزمر:9]،

طلب العلم مهم أُغْد عالما أو متعلما، تعليم العلم مهم، وأهم منه أن يكون ذلك التعلم والتعليم على وجه التدرج،
ممتثلا فاعِلُ ذلك قولَ الله جل وعلا


{ كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ } [آل عمران:79]،

قال أبو عبد الله البخاري في صحيحه: الربانيون هم الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره.
من المهم أن تطلب العلم؛ لكن أهم من ذلك أن تطلب العلم على تدرج، تأخذ المسألة فالمسألة، تأخذ الأولى فالأولى، تأخذ المرتبة الأولى ثم تصعد درجة إلى ما هو أصعب وهكذا، قال أبو شهاب الزهري فيما رواه ابن عبد البر في الجامع ورواه غيره قال: من رام العلم جملة ذهب عنه جملة؛ ولكن يطلب العلم على مر الأيام الليالي....
الذي حصّله العلماء الراسخون، لابد إن كنت من محبي العلم أن تسير في طلب العلم على التدرج؛ بالعناية بالمتون، العناية بأوائل العلوم، ثم تتدرج، لم تحسن الأوائل فتذهب إلى الكتب المطولة، لم تحسن الحكم حكما بدليله، معرفة المسألة بدليلها، فتذهب إلى اختلافات العلماء والأقوال في ذلك، هذا الإخلال بالتدرّج يحجب عنك الوصول إلى مبتغاك في العلم.
تعليم العلم مهم، وأهم منه أن يجعل طالب العلم الذي يعلّم العلم أو العالم الذي يعلم العلم يجعل درسه على قاعدة التدرج، يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، إذا علّمتهم الألف والباء والتاء والثاء، فإنهم بعد ذلك، سيتعلمون تركيب الجمل؛

يعني إذا علمتهم المسائل الأولى في التوحيد المختصرات فيه، المختصرات في العقيدة، المختصرات في الفقه، بعد ذلك سينتقلون إلى مرحلة أكبر، سيكون التدرج كبناء البناء، إنما يكون شيئا فشيئا، وإذا جمعت للبناء عدّته من جميع أصناف ما يحتاج إليه ورسمت هذه على هذه دون تدرج، فإنك لا تصل إلى بغيتك والله جل وعلا خلق السماوات والأرض في ستة أيام، قال بعض أهل التفسير: ربنا جل وعلا قادر على أن يخلق ذلك وأعظم منه بكلمة، على أن بخلق ذلك في لحظة؛ ولكن خلق ذلك في ستة أيام لحكم كثيرة، منها أن يعلم خلقه الذين يشهدون هذا الملكوت أن الأمور العظام إنما تكون بالتدرج وبرعاية الأمور وبرعاية الشيء فالشيء.
كثير منا من يُعلم العلم، كثير منا من يتعلم العلم؛ لكن إن فاتت المنهجية فات التدرج فاتك خير كثير؛ لأن العلم بالأهم فالأهم.
يطلب الناس العلوم وهي كثيرة، هذا تجده يطلب السيرة، وذلك يطلب الحديث، يخرج الحديث يعرف الضعيف من السقيم والرواة والتجريح والتعديل، وذك يعلم تفاصيل في مسألة ألف رسالة؛ بل رسائل في مسائل؛ ولكنه لا يعلم مسائل التوحيد بأدلتها، لا يعلم مسائل عباداته التي يزاولها بأدلتها، هذا فاته أن يرعى الأهم، نعم إن طلب العلم مهم، وجميع العلوم المستحب منها والواجب كلها مهمة؛ لأنها من الشرع ولكن العلم درجات، والأهم يقدم على المهم.

ولهذا تجد أن كثيرا من طلاب العلم في هذا الوقت، تجد أنهم يقرؤون كثيرا، ولا يحصلون كثيرا، يحصلون ماداموا قريبين من القراءة؛ لكن ما أسسوا العلم على أصوله؛ لأنه فاتهم الأهم وهو التدرج.
فإذن هذه قاعدة وهي أن طلب العلم مهم ولكن التدرج في طلبه أهم، إن التعليم تعليم العلم مهم؛ ولكن التدرج في ذلك التعليم أهم.
نقول أيضا: إن طلاب العلم ينبغي لهم أن يحرصوا على من يعلمهم صغار العلم قبل كباره، يحرصون على من يبدأ بهم بالأصول بالمتون، يأتي آت ويقول فلان الشيخ أو العالم أو طالب العلم ليس عنده تفصيل في المسائل، نعم إن عدم تفصيله الطويل في المسائل هذا هو الذي زينه وهذا هو الذي ينفعك لأن طالب العلم المعلم لا يأتي للمتعلمين بكل ما عنده، وإنما ينشئهم خطوة فخطوة وإلا لو أتى بما عنده فإنه يمكنه أن ينظر في الكتب ويأتي لهم بالمسألة الواحدة بما يدوم عندهم إلى عشرين جلسة مثلا، يؤلف منها كتابا يعرض الأقوال فيها كثيرة يوصل في المسألة الواحدة إلى خمسة أقوال تسعة أقوال عشرة أقوال؛ بل إلى أربعين قولا في بعض المسائل، هذا ليس العلم.

العلم إحكام الأصول وإحكام مقاعد العلم، العلم بالقواعد، العلم بالأولويات حتى إذا علمت الأول، بعد ذلك يأتي إليك الثاني وقد تمرن ذهنك على الأول، فيرتقي ذهنك في إدراك العلوم، نعم إن طلب العلم مهم ولكن التدرج فيه أهم، إن التعليم مهم؛ ولكن التدرج في التعليم أهم.
ثم إن الإخلاص في ذلك جميعا مهم ومهم ومهم، وأيضا أهم من كثرة الإلقاء، أهم أن يكون العبد مجاهدا نفسه في الإخلاص.
قال العلماء ضابط الإخلاص في العلم أن ينوي رفع الجهالة في نفسه،
سئل الإمام أحمد كيف يكون طالب العلم ذا نية في العلم؟ فقال: يكون طالب العلم ذا نية في العلم إذا نوى رفع الجهالة عن نفسه. يطلب العلم ليرفع الجهل عن نفسه، أتى بالإخلاص فيه، بالنية الصالحة فيه، حتى يرفع الجهل عن نفسه ليعلم أمر الله ونهيه، ليعلم ما أخبر الله في كتابه وما أخبر النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في السنة من العقائد وأخبار الغيب ليعتقد ذلك، هذه نية صالحة.

المعلم فنيته الصالحة بأن ينوي رفع الجهل عن غيره وعن نفسه؛ لأنه إذا علم فإنه سيستفيد هو ويفيد غيره.
إذن فهذا الإخلاص في العلم، الإخلاص في التعلم، الإخلاص في التعليم، هذا مهم للغاية.
إذن إرشاد الناس مهم؛ ولكن الكلمات في إرشادهم أهم، نعم إن الداعية يلقي الكلمات ويحاضر، إن العالم يبين الحق ويوضح المقال، وذلك كله مهم لأنه واجب في الشرع على الكفاية ويستحب في حق الأكثر؛ ولكن الأهم أن يتنبه الملقي لكلماته، لأن المتلقي للكلمات قد يحمل المجملات على فهمه هو؛ فيحمل فيها على غير مراد المتكلم، وقلة الكلام وضبط الكلام أولى من كثرة المسائل والفروع دون رعاية لما يأتي وما يذر حسب الاستطاعة.
هذه القاعدة مهمة، أنت في لقاءٍ مع إخوانك فيما تتكلم، فيما تنقل فيه مع العلماء، وفيما تنقل منه من الدعاة، وليكن تعبيرك سليما، لا تعبّر بما تفهم دون تدقيق، كذلك المتكلم إذا تكلم ينتبه إلى أن يكون كلامه دقيقا حتى لا يُحمل على غير ما يريد.
إن طلب الحق مهم، وإن الاعتراف بالخطأ أهم، إنّ إرشاد الناس إلى الحق أمر مهم، وقد يخطئ المرشد يخطئ الداعية فيما يرشد الناس إليه، فرجوعه عن خطئه أهم، ولهذا لما أفتى أحد علماء السلف في مسألة في الحج بفتوى أخطأ فيها، كان يظن أنه مصيب، ثم بعد ذلك أرشد إلى دليل في المسألة فرجع عن قوله فيها فاستأجر مناديا ينادي في فجاج منى: من أفتاه فلان فليقبل، من أفتاه فلان في مسألة فليقبل، حتى إذا اجتمعوا أخبرهم برجوعه عن كلامه.
نعم إن المراجعات مهمة، إن الاعتراف بالخطأ مهم؛ لأنه يجعل المرء في نفسه يعلم أن نفسه تخطئ، وأنه ليس بمعصوم عن الخطأ، وكذلك يزيد في قدره عند الآخرين؛ لأن كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
هذه أصول مجملة مختصرة؛ لكن فيها إرشاد وبيان لمسائل أحسبها مهمة؛ لأنها ضوابط والضوابط تعصم العقل من الخطأ، وكذلك تعصم العمل من الضلال، وكذلك تعصم اللسان من الافتراء، فإن معرفة العبد الحقوق الشرعية والضوابط الشرعية بأدلتها هذا مهم وأهم للغاية؛ لأنه عند الاشتباه يحصل كثير من الزلل.
بقي أن نقرر قاعدة وهي أن هذه التقاسيم من مهم وأهم، هذه إنما تستفاد من أهل العلم؛ لأنني ذكرت أن موردها ودليلها النصوص وليس العقل والاستحسان، فتقسيم الأشياء، تقسيم مراتب الأمور الشرعية ومراتب ما يزاوله المرء، هذا إذا كان فيه نص فإن العلماء يبينون الأهم والمهم من ذلك.
فإذا اشتبه على المرء المسلم ذلك فإن عليه أن يرعى الرجوع إلى العلماء، حتى يبينوا له مراتب ذلك فيسير على بينة من أمره.
هذا وأسأله جل وعلا لي ولكم التوفيق والسداد والهداية والرشاد، وأسأله جل وعلا أن ينفعني وإياكم بما سمعنا.

أعدّ هذه المادة: سالم الجزائري.

منقول بتصرف

ولله الحمد والمنة

أبو يعقوب السلفي
04-12-2008, 12:16 AM
بارك الله فيكم و زادنا و زادكم علما و عملا صالحا
جزاكم الله الجنة

أبو أنس الأنصاري
04-12-2008, 01:22 AM
بارك الله فيكم و زادنا و زادكم علما و عملا صالحا
جزاكم الله الجنة
اللهم آمين
جزانا الله وإياكم ويا حيهلا بك بين إخوتك

انسام ام زياد
04-12-2008, 09:30 PM
بارك الله فيك وفى قولك الكريم

ارجو الدعاء لى بالهداية اكثر

والمغفرة وقبول التوبة

الحفاظ من الشيطان الرجيم

اختك أم زياد

أبو أنس الأنصاري
04-13-2008, 01:50 AM
بارك الله فيك وفى قولك الكريم
ارجو الدعاء لى بالهداية اكثر
والمغفرة وقبول التوبة
الحفاظ من الشيطان الرجيم
اختك أم زياد
أحسن الله إليك أختنا ومرحبا بك بين إخوتك في المنتدى
أسأل الله أن يقبل توبتنا ويحفظنا وإياك من شر الشيطان الرجيم

أم عبد الرحمن السلفية
12-28-2008, 07:42 PM
جُزيتم الفردوس الأعلى ونفع الله بكم .