المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منطق الحوار النقدي


عبدالله الحنيطي
03-16-2008, 12:19 AM
المنطق الخطابي للعنف الإسلامي

أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا وأشهد أن لااله الا الله وأن محمد عبده ورسوله وبعد ,
إن واقع الخطاب السلفي الجهادي اليوم تهيمن عليه نزعة تسييسية عنيفة دون وجود وعي سياسي يحكم النظر والسلوك يقوم على تحقيق الخير الأسمى، ويبدو أن هذا الخطاب ينساق من حيث لا يشعر، إلى استخدام الطرق التبليغية التي يتبعها خطاب الحداثة المعولمة، فلا يبالي في تحليلاته واستنتاجاته إلا بما يجعل هذه التحليلات والاستنتاجات متعلقة بالإرادة الإنسانية المعنفة، ويغيب عن هذا الخطاب منطق الحوار الاختلافي النقدي الذي يفتح آفاقاً واسعة تؤذن بالدخول في أفق الإسلام المؤنسن، ولعل الواقع العالمي الذي تصاعد فيه حدة الحديث عن الصراع والصدام عالمياً، حمّل أتباع الخطاب الجهادي على الغفلة عن التفقه في أصول ومعاني الحوار وفضائله، والذي يعتبر أحد أهم سمات الحضارة الإسلامية، فالممارسة الحوارية صفة ملازمة للذات الإسلامية ازدهرت واشتهرت إسلامياً باسم " المناظرة"، والأصل منها ما جاء في القرآن الكريم من أساليب ونماذج في المحاورة متعددة ومتنوعة، فقد وردت مادة " القول" في القرآن الكريم بصيغ مختلفة في مواضع متعددة، فعلم المناظرة الإسلامية على الرغم من استفادته من بعض مقررات الجدل اليوناني، اعتمد في الأصل على الجدل والحجاج القرآني، وتأسس عليه.



إن استلهام المنهج القرآني في الحوار يفضي إلى درء آفات العنف والجمود والانفلات التي طبعت خطاب وسلوك التيار السلفي الجهادي، ويعمل على ترسيخ ثقافة السلام بدل الحرب والتسامح بدل الانتقام، ويساهم في بناء مجتمع إسلامي منفتح على الثقافة العالمية، ويساعد على الإبداع والاجتهاد بدل الاستهلاك والتقليد والتبعية، ولا سبيل للخروج من مجمل الأزمات الراهنة والانعتاق من أسر الحصار المؤلم؛ سوى بالأخذ بمقتضيات وأخلاقيات الحوار القرآني، ولا بد من التأكيد على فضيلتين للحوار خفيا على أنصار التيار الجهادي، ومعظم من تعاطى الاشتغال بالقضايا والمسائل الإسلامية من المعاصرين، رغم أنهما من الحقائق الجلية الظاهرة، وهما: أن الأصل في الكلام الإنساني هو الحوار، والأصل في الحوار هو الاختلاف، فلا يمكن الكلام إلا بوجود طرفين، قد يكونا فردين أو فريقين أو قومين أو أمتين أو مجتمعين، والكلام لا يكون إلا بين اثنين متواجدين أحدهما المتكلم، والآخر المتكلم معه، وهو ما يطلق عليه في اللسان العربي " الخطاب"، لما يحمله هذا المفهوم من معنى الازدواج، فلا خطاب من غير مخاطب ولا حوار إلا مع الاختلاف والتضاد كما هو مقرر في علم المناظرة الإسلامية، وقد تنبه لأهمية منهج المناظرة في البحث والاستدلال أساطين الفلسفة التداولية المعاصرة، حيث قرروا أن الحجاج الفلسفي التداولي، هو مغالبة استدلالية خطابية مبناها على عرض رأي أو الاعتراض عليه، وغرضها إقناع الغير بصواب الرأي المعروض، أو ببطلان الرأي المعترض عليه، استناداً إلى مواضعات "البحث عن الحقيقة"، ويقوم حق الاختلاف في الإسلام على جملة من الخصائص المقررة في القرآن الكريم والممارسة الإسلامية، وتستند إلى مبدأين أحدهما: اختلاف الآيات، حيث يكثر في القرآن الابتداء بقوله تعالى:" ومن آياته"، وعلى وجه الخصوص" اختلاف الآيات الكونية"، كقوله تعالى:" سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق"، والثاني: مبدأ اختلاف الناس، كقوله تعالى:" ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم"، ويمثله على وجه الخصوص" اختلاف الأمم"، كقوله تعالى:" ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين"، ونظائر هذا في القرآن الكريم كثيرة بحيث أصبح راسخاً في التراث الإسلامي استعمال مفهوم الآيات والاختلاف، والتفريق بين الكونيات والشرعيات.



إن المقصود بالخطاب السلفي الجهادي هو مجمل الإنتاج المعرفي الشفاهي والكتابي والرمزي الذي صدر عن أفراد وجماعات وتيارات تتبنى السلفية كإطار مرجعي في النظر والاستدلال، والجهاد كمنهج قوة معنفة تضع القوة معياراً وحيداً لتغيير المجتمع والدولة، وتغيب الحوار الذي جاء بنصوص الكتاب والسنة وكان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في العهد المكي الذي نحن أشبه ما نكون فيه في واقعنا الحاضر, وحتى في العهد المدني لم يغيب منطق الحوار ولكن بضوابط ومعاير مختلفة عن ما كان عليه في سابقه فقد اصبح للمسلمين دولة في هذا العهد فأين نحن من هذين العهدين ؟ وأين نحن من مطق الحوار البناء المؤطر بنصوص القرآن ونصوص السنة ، وقد تبلور هذا الخطاب على يد الأستاذ سيد قطب، الذي عمل على تطوير أيديولوجية سلفية جهادية أصولية، بالاستناد إلى أطروحات مفكري القارة الهندية، وفي مقدمتهم أبو الأعلى المودودي، وأبو الحسن الندوي، وقد عمل الخطاب القطبي السلفي الجهادي الأصولي قطيعة تامة على تراث الفكر الإصلاحي الذي نشأ مع رفاعة الطهطاوي، وخير الدين التونسي، مروراً بالأفغاني والكواكبي، ومحمد عبده، وانتهاءً بمحمد رشيد رضا، وتراث جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها الشيخ البنا، ومن عباءة قطب خرجت سائر الحركات السلفية الجهادية المعاصرة، بدءاً "بجماعة الجهاد" في مصر، وانتهاءً بــ" القاعدة"، ومرت الجماعات السلفية الجهادية في مراحل متعددة، وتقلبت في أطوار مختلفة، ومن الملاحظ أنها كلما انحدرت في الزمان ازدادت في عنفها وتطرفها على صعيد الخطاب والممارسة، فقطب أقل عنفاً من صالح سرية وعبد السلام فرج، تجاه الجماعات الإسلامية، وهما أقل عنفاً من الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، وليبيا، وتفاقم العنف الخطابي في التسعينات من القرن المنصرم الذي أفرز أبو محمد المقدسي، وأبو مصعب السوري، وأبو قتادة الفلسطيني، لتكتمل دائرة العنف الخطابي والمرئي مع الظواهري وبن لادن، وتأسيس القاعدة، ليصبح مرعباً ومخيفاً على فرعها في تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، بزعامة أبو مصعب الزرقاوي، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بزعامة يوسف العييري ومن بعده، والجماعة السلفية للدعوة والقتال بزعامة أبو مصعب عبد الودود،الذي أعلن انضمامه لتنظيم القاعدة في المغرب.



إن الخطاب السلفي الجهادي بخصوص الجماعات الإسلامية مر بمراحل مختلفة وتقلب في أطوار عدة، ولعل المدقق لنشأة وتكوين الخطاب ومساره يلحظ مدى العنف الذي وصل إليه مؤخراً، سيما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي شكلت فارقاً جوهرياً يتسم بالحسم والقطع واليقين، وحمل على كل اجتهاد يخالف التصور السلفي الجهادي، وقد تجلى ذلك في خطابات تنظيم القاعدة المركزي بزعامة أسامة بن لادن، ونائبه أيمن الظواهري، وخطابات فروع القاعدة في مختلف أنحاء العالم، ونصوص الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر، وتنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، حيث ظهر جيل أكثر عنفاً خطاباً وسلوكاً، فبعد تغيب معظم منظري السلفية الجهادية؛ بسبب الضربات الأمنية المتلاحقة محلياً وإقليمياً ودولياً، أمثال صالح سرية، ثم عبد السلام فرج، وذلك بإعدامهم على خلفية أعمال مختلفة، يقبع الآخرين في السجون، في بلدان مختلفة عقب إستراتيجية " الحرب على الإرهاب" الدولية، فالمقدسي وأبو قتادة و عبد القادر عبد العزيز، وأبو مصعب السوري، أفسحوا المجال لجيل يتسم بالعنف والقسوة والبطش مع المخالف من الجماعات الإسلامية المختلفة على صعيد الخطاب والممارسة، ويمكن القول أن الخطاب السلفي الجهادي بات أكثر تشدداً، وأكثر عنفاً في ظل غياب وانغلاق آفاق الحوار، والحروب المتبادلة التي أصبحت مفتوحة في الزمان، وممتدة في المكان، ولعل المدقق لنشأة وتكوين وتطور الحركات والجماعات الإسلامية يلاحظ تصاعد حدة خطاب العنف كلما انحدر في الزمان تبعا لعنف خطاب العولمة المتوحشة الذي يرتكز على أطروحات التفوق، ومفاهيم الهيمنة والسيطرة والإخضاع، ويمكن القول أن غياب الخطابات المؤنسنة المؤسسة على الحوار والاختلاف ينذر بمزيد من العنف المتبادل يتجاوز الخطابي ويدخل حيز المرئي الواقعي يهدد مستقبل العلاقات الإنسانية، فاسحا المجال لتوترات وصدامات أكثر شدة وعنفا تعمل على نشر الفوضى والدمار, وتغيب الحوار البناء الممنهج على اطار الكتاب والسنة وبفهم سلف الامة رضوان الله عليهم .

وكتب عبدالله الحنيطي

في مساء 6 / ربيع الاول / 1429هـ في عمان البلقاء الموافق14 / أذار / 2008 م