المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إجابات فضيلة الشيخ رفاعي سرور على أسئلة أعضاء منتدى الجامع


عبد الملك بن عطية
03-06-2008, 09:29 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لانبي بعده ، وبعد : فقد أكرمنا الله في منتدى الجامع لدعوة أهل الكتاب باستضافة فضيلة الشيخ رفاعي سرور حفظه الله ، وقد وجه الأعضاء أسئلتهم إلى فضيلته .


نبذة عن فضيلة الشيخ رفاعي سرور :
هو نزيل المطرية من مواليد الأسكندرية 1947م ، وله كتب عديدة نافعة منها :
أصحاب الأخدود
حكمة الدعوة
بيت الدعوة
قدر الدعوة
في النفس والدعوة
عندما ترعى الذئاب الغنم
علامات الساعة(دراسة تحليلية)
التصور السياسي للحركة الإسلامية
المسيح عليه السلام (دراسة سلفية)

وتجد هذه الكتب عند دار هادف للنشر والتوزيع ..
23 ش عبدالعظيم البكري - ترعة الهوارى - المطرية

وللشيخ جهود ملموسة في مكافحة التنصير ، وأسلم على يديه عديدون من أهل الكتاب .

عنوان صفحته في موقع طريق الإسلام :
http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=lessons&scholar_id=1151 (http://www.islamway.com/?iw_s=Scholar&iw_a=lessons&scholar_id=1151)

عنوان صفحته في موقع صيد الفوائد :
http://saaid.net/Doat/riffa3i/index.htm (http://saaid.net/Doat/riffa3i/index.htm)

عنوان المدونة الخاصة به :
http://refai.maktoobblog.com/?all=1 (http://refai.maktoobblog.com/?all=1)

والشيخ له أسلوب مميز في الكتابة يحتاج لقراءة عميقة واعية وتركيز ، وهو غني بالاستنباطات الإيمانية الهادفة المتصلة بالواقع .

وأبدأ بعون الله وتوفيقه بنقل ما كتبه الشيخ وهو :
(1) رسالة الشيخ إلى منتدى الجامع : معركة الانترنت ... تصور منهجي .
(2) كلمـــة الشيخ بين يدي الإجابات .
(3) إجابات الشيخ الماتعة .

والله وحــده المستعان

عبد الملك بن عطية
03-06-2008, 09:35 AM
معركة الانترنت .. تصور منهجي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:

الدعوة في سباق تاريخي لتغليب مزايا الإنترنت على أخطاره والأساس في إمكانية الفوز هو تحديد تصور منهجي لتحقيق هذا الفوز بإذن الله، وفي المقابل فإنّ هناك حقيقة يجب الانتباه إليها وهي أنّ الأخطار قاتلة يتطلب تفاديها أكبر قدر من الإيمان والفطنة والإنضباط، ويمكن إدراك هذه الحقيقة من خلال تحديد هذه الأخطار:

الأخطار الأساسية:

وللإنترنت.. في التصور المنهجي للدعوة أخطار يجب الحذر منها وهو أن ينسحب واقع الدعوة ليدخل بكل أبعاده إلى مجرد مساحة إلكترونية يتحكم فيها أعداء الدعوة بالإلغاء والتجسس والاختراق، وأن ينفصل أصحاب الدعوة عن واقع النّاس وحياتهم والتأثير العملي فيهم، وليتحول الدعاة من صناعة الأحداث ـ بإذن الله ـ إلى مجرد متابعة إخبارية لها.

ومن أهم أسباب الانفصال عن الواقع بالإنترنت هو كثرة الفائدة ومن هنا يلزم أن يكون إختيار المواد العلمية التي نحتاجها من الإنترنت بقاعدة الأهم وليس المهم، فتبحث دائما عن أهم المواد حتى يمكنك ترك الجهاز للوفاء بحق الواقع ومقتضياته لأنّ الانفصال بالإنترنت عن الواقع يتحول بالدعوة وحركتها الواقعية إلى مجرد ظاهرة نظرية، وتتحول انتصارات الدعوة في حياتنا إلى مجرد مناظرات كلامية.
وتتحول العلاقات الأخوية الشخصية الكاملة في مجال الدعوة إلى علاقات إلكترونية مشفرة.

ومن أخطر آثار الإنترنت، يأتي خطر التحول بالإنسان المسلم بكل طاقته الحركية إلى شخصية ساكنة فيفقد حيويته وحركيته بعد بقاءه طوال الوقت أمام الإنترنت.

ثم يأتي خطر التعامل المباشر معه، ومن ذلك أن يتحول واقع الدعوة إلى مجرد مواقع ومنتديات ومدونات مفاتيحها بيد الأعداء، ممّا يعني وبصورة مباشرة تسليم واقع الدعوة لهؤلاء الأعداء.

ومن أخطار الإنترنت ضياع الإحكام المنهجي في طرح قضايا الدعوة، وهو الأمر الناشيء عن فوضى الطرح الدعوي في هذا المجال كنتيجة لأخذ المواجهة حجمًا كلاميًا غير مفيد وكثافة فكرية غير مؤثرة. فيجب التأكد من أنّك تكتب موضوعًا مفيدًا جديدًا أو موضوعًا سبق الكتابة فيه ولكنّك تعالجه من زاوية جديدة أو منظور جديد منعًا من تكرار الكلام، ولا مانع أصلاً من كثرة الكتابة المفيدة المؤثرة بل إنّ تكرار الكلمة المفيدة المؤثرة أمر واجب.

وكذلك تحول الاجتهاد الفكري إلى ظاهرة قص ولصق، فيجب التنبيه إلى حرمة النقل عن الغير دون الإشارة إلى المصدر ممّا يتنافى مع الأمانة العلمية...

ونشر العلم وضرورة المواجهة لايصلح مبررا لهذا العمل حتى يبارك الله لنا فيما نكتب ونفعل، كما أنّ النقل عن الغير دون الإحالة إلى المصدر يحدث أثرًا في نفس صاحب المصدر يؤثر في الحب الواجب بيننا، وأشد مجالات ظهور فوضى الطرح الدعوي الذي يجب الانتباه إليه....

المنتديات.. إذ يأتي خطرها من نظامها، حيث تكون مساحتها مفتوحة بغير ضوابط فيستطيع أي أحد أن يقول مايشاء حتى أنّ عرض الآراء بغير ضوابط ينشأ حالة من الفوضى الفكرية لأنّ من يتكلم غير معروف بشخصه على الحقيقة، فيهدر فيه علماء حقيقيون ويظهر فيه أدعياء كثيرون.

والبناء الاجتماعي للأمة قائم على أساس العلاقة بين النّاس والعلماء، وإهدار علماء الأمة يحدث خللاً في هذا البناء، والبناء الاجتماعي للأمة قائم كذلك على التآلف القلبي.

وفي المنتديات تظهر الخلافات التي يمكن حسمها في حدود أطرافها بدلا من أن تصبح معلنة فيتمكن حظ النفس والهوى، والإختلاف يضعف الأخلاق ويشيع سوء الألفاظ فتتكدر الصورة الوضيئة للدعوة إلى دين الله عز وجل.

خطر الإباحية

والحقيقة أنّ أصحاب الدعوة المتعاملين مع الإنترنت واقفون في خط خطير من خطوط الدعوة،
حيث أصبح هذا المجال يمثل أكبر روافد المعرفة للمسلم في هذه الحرب، ولذا يحاول الأعداء تسميم هذه الروافد ببث الإباحية في مصادر هذه المعرفة.

كما يجب الانتباه إلى أنّ أعداء الإسلام يملكون خبرة تاريخية ومكر شديد، ومن ذلك أنّه يفترض أنّ كل من يبحث في الانترنت في قضية الحرب على التنصير والإستشراق يجب إقصاءه فيضعون تلك الألغام الإباحية في طريقه، فيجب الانتباه لهذا الخطر والتعامل مع الجهاز بتقوى الله والعمل بقاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح".

ومن هنا تنشأ ضرورة أن تغطي المواقع الإسلامية أكبر قدر ممّا يحتاجه المسلم دون الإضطرار إلى التحرك في تلك الألغام الإباحية.

مساحة الإنترنت ومواجهة الهجمة الصليبية

وممّا لاشك فيه أنّ الهجمة الصليبية الأخيرة على الإسلام أحدثت في بدايتها صدمة كبيرة عند المسلمين، لأنّهم لم يكونوا يتوقعون كل هذا الكره والعداء الذي تحمله قلوب أعدائهم لهم، وقد ساعد الإنترنت على كشف مدى الكراهية والحقد الذي يكنه الأعداء للإسلام وللمسلمين ذلك لأنّهم استطاعوا أن يتكلموا بما في قلوبهم دون خوف أو خشية، وقد نبه القرآن من قبل في قول الله سبحانه {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ..} [سورة آل عمران: من الآية 118].
وقول الله {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء} تدل على محاولة الإخفاء خوفا من العاقبة فلما استطاعوا أن يتكلموا بلا خوف من خلال الإنترنت انكشف ما تخفي صدورهم، ومعنى الآية قائم لأنّ ما تخفي صدورهم سيبقى أكبر ممّا ينكشف، وصدق الله {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ..} [سورة آل عمران: من الآية 118] رغم كل ما يظهروه وقد كان لهذه الصدمة آثارها الواضحة في الموقف الإسلامي الذي حدث كرد فعل تلقائي للمسلمين... ودون ترتيب مسبق ليقفوا ـ بعد الإفاقة من الصدمة ـ في مواجهة الهجمة وقفة شرعية منهجية مؤصلة، وكان المجال الذي أظهر ما في قلوب الأعداء وهو مجال المواقع والمنتديات وغرف البالتوك والقنوات الفضائية هو أهم مجالات هذه المواجهة..

فكان لابد من منازعة الجاهلية في هذا المجال ومنازعتها في كل أهدافها، وكان لابد في هذا المجال من خطة يمكن بها الارتفاع بالمواجهة إلى المستوى المطلوب، ولكي تكون الخطة صحيحة كان لابد من واقعيتها التي تقوم على المعالجة المباشرة لكل الأخطاء الناتجة عن الصدمة وكان أخطرها:

ـ افتقاد التصور السلفي في المواجهة.

ـ ضعف المستوى العلمي كنتيجة دخول عناصر إلى واقع المواجهة من المدخل العاطفي.

ـ كثرة الكتابات المعادة والمكررة.

ـ الردود المتعجلة على الشبهات.

ـ تشتت الجهود كنتيجة لافتقاد العمل المنظم.

ومن هذه الأخطاء تحددت أساسيات الخطة ابتداءً كمعالجة لكل آثار الهجمة المفاجئة، وانتهاءً لتحقيق أهداف الدعوة في هذا المجال، فكانت أهم هذه الأساسيات:

ـ ضرورة الكتابة والرد بالمستوى العلمي المناسب في اتجاهات أساسية ثلاث:

الإسلاميات:

وفيها يجب الالتزام بالمنهج السلفي في التفكير والاستدلال والطرح والرد.

ومن الضروري الإيمان بأنّ التصور السلفي هو أقدر المناهج الفكرية على المواجهة، وسلفية هذه المواجهة تعني قيامها على نصوص القرآن والحديث وأقوال السلف، والذي يعنينا هنا هو تحديد المعنى المقصود بالسلفية في المواجهة مع النصرانية المحرَّفة، وهو: "الالتزام بمنهج السلف في الفهم والاعتقاد قبل المواجهة"، وفي هذا الإطار يجب التنبيه على أنّ أصحاب عقيدة التوحيد الخالص هم أقدر النّاس على المواجهة الصحيحة للنصرانية المحرَّفة، وهم الذين يملكون التصور الكامل لتلك المواجهة، حتى إنّ من يقرأ الكتابات السلفية في هذا المجال يتبين له هذا الأمر بصورة واضحة، والمثال على ذلك كتاب (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) للإمام ابن تيمية.

والمواجهة السلفية للنصرانية المحرَّفة تتميز بالتجرد المطلق للحق، والبعد التام عن التعصب، ودليل ذلك.. التقييم الموضوعي للقضايا المطروحة، وهو الأمر الذي أخذه سلفُنا الصالح من القرآن في مناقشته لهذه القضية، مثل قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة آل عمران: 75] فتقرر الآية أنّ منهم من يؤدي الأمانة ومنهم من لا يؤديها.

وبمناسبة سلفية المواجهة يجب الانتباه إلى أنّ الموضع الشرعي والفطري للعلم هو الصدور بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا يجب الاهتمام بحفظ القرآن ليكون القلب عامر به لأنّ العلم أصلا في الصدور.

كما يجب الانتباه إلى أنّ أساس تلقي العلم إنّما يكون عن الشيوخ فلا يغرنك توافر العلم في الإنترنت عن أن يكون لك شيخاً تتلقى عنه وفي ذلك عدة مزايا:

أهمها توفير الجهد وتسديد الفهم وتعلم الأدب والحرز من الغرور، لأنّ الشيخ يجعل المتعلم
يتذكر دائما أنّ هناك من هو أعلم منه وهو الذي تعلم على يديه العلم، كما يجب معايشة النصوص الشرعية معايشة كاملة لأنّ فراغ القلب والصدر من القرآن والنصوص الشرعية يحرم المسلم من اليقين والإطمئنان وهو في أمس الإفتقار إليهما، وخصوصا في مواجهة الفتن والشبهات.

وفي هذا الصدد يجب الانتباه إلى أنّ المصادر الإسلامية القديمة التي تناقش النصرانية يرد فيها أسماء فرق لاوجود لها الآن إسما، ولكن الموجود حتى الآن هو المضمون المذهبي لهذه الطوائف
فيجب تطبيق مسميات الفرق القديمة على أسمائها الحديثة مثل:

- اليعقوبية وهم الآن الأرثوذكس.

- الملكانية وهم الآن الكاثوليك.

كما أنّ الكتب السلفية القديمة تذكر شواهد لاوجود لها الآن في الكتب التي بين أيديهم، وسبب ذلك ليس راجع إلى السلف ولكن إلى التغيير المستمر في كتاباتهم هم.

النصرانيات:

وفيها يجب الالتزام بالدراسة الدقيقة المتخصصة للمصادر النصرانية والإحالة السليمة لتلك المصادر، والإحالة الصحيحة إلى كتاباتهم تكون بذكر الكتاب وذكر الطائفة التي يتبعها الكتاب وذكر تاريخ الطبعة، فتقول مثلا: إنجيل كذا ..إصحاح كذا.. فقرة كذا..نسخة فانديك(الشائعة).
وفي حال الرجوع إلى نسخة أخرى في نفس العبارة يذكر النسخة وصاحبها مثل أن تقول: إنجيل كذا، نسخة كذا.

يجب الإستفادة من البحوث الغربية والاهتمام بترجمتها حيث أنّ هذه البحوث قطعت شوطًا هائلاً في إثبات التحريف النصراني ممّا يتطلب الإهتمام باللغات الأجنبية، مع الحذر من الاستغراق الزائد عن الحد في تلك الكتابات النصرانية حتى لاتطغى على معايشة النصوص الشرعية الإسلامية، وحتى لا نحرم من الطمأنينة القلبية التي تتحقق بتلك النصوص كما تبين آنفا.

المتابعة الواقعية:

وهي المتعلقة بواقع المواجهة وتطوراتها وأساليبها ومواقعها الميدانية، وليكن معلومًا أنّ معركة الإنترنت رغم أهميتها فهي غير قادرة على حسم المواجهة من غير الاهتمام بالواقع ومتابعته ومعرفة ما يجري فيه، فيجب الحذر من الانفصال عن الواقع الميداني للدعوة.

والمواجهة من خلال الإنترنت يجب تقييمها على أنّها ضرورة وثائقية تاريخية لتطور الصراع مع أعداء الإسلام ولعل بداية "الغرف النصرانية المعادية" للإسلام تذكر بقيمة متابعة هذا التطور، كما أنّه مؤشر للحالة الفكرية الإسلامية يساعد على التقييم المستمر لها لرفع مستواها وتوجيهها إلى الصواب.

وكمواجهة لضعف المستوى العلمي في مجالات المواقع والمنتديات والمدونات، يجب القيام بانتقاء أقوى ما طرح سواءً في كتب التراث أو كتب المحدثين أو البحوث والمقالات في كل إتجاهات المواجهة، وجمع كل المحاولات الفكرية المتميزة ووضعها في إطار وثائقي وإعلامي لإبرازها كمرجع يستفيد منه الجميع...

وبخصوص الرد على الشبهات تحديدًا..

- يجب قراءة كل الردود المطروحة ابتداءً قبل طرح رد آخر.

- كما يجب التنبيه إلى أقوى ماكتب للرد على الشبهة والإحالة إليها.

وكل من يقف على خط المواجهة للحملة التنصيرية سيكون واقفًا أمام شياطين الإنس والجن معا، ومن هنا يجب الاهتمام بالتسمية والذكر أثناء الدخول في هذا المجال ونحن نقوم بمهمة الدفاع عن الدين ليتحقق التحصن والنجاة.

وفي النهاية، يجب أن ندخل معركة الإنترنت بثقة وطمأنينة كاملة بأنّنا على الحق وأعداؤنا على الباطل، وقد أظهرت النتائج الأولية للمعركة هذه الحقيقة وذلك بعد القدرة على جمع نصوص الدين من خلال الموسوعات.. فظهرت حقيقة الإحكام المنهجي في الإسلام بعكس النتائج الحادثة في النصرانية حيث كشف جمع النصوص النصرانية التناقض والنقص والغموض العقيدي والفكري.

وفي النهاية، نحسن الظن بالله ونفوض الأمر إليه ونتوكل عليه مؤمنين بأنّ العاقبة لنا وأنّ الله رافع شأننا وناصرنا على أعدائنا.

وفي النهاية، فإنّ أهم مقتضيات الواقعية في المواجهة هو الإستفادة بخبرة كل من يعمل في هذا المجال ممّا يتطلب تواصل بين جميع المشاركين فيه، لذا نعتبر هذه المقالة "دعوة إلى حوار دعوي مفتوح حول العمل في مجال الإنترنت".

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .

أبو عمر الأزهري
03-06-2008, 10:05 AM
ماشاء الله
الرسالة تمتلئ بالفوائد بحـق
حفظ الله الشيخ الفاضل وجزاه عـنـا وعن الدعـوة خـيـرا .
جزاك الله خيرا ياعبد الملك .

البتار
03-06-2008, 10:13 AM
جزاك الله خيرا أخانا الكريم
حفظ الله الشيخ رفاعي سرور وثبته ونفع به

عبد الملك بن عطية
03-06-2008, 02:45 PM
بسم الله الرحمن الرحمن

كلمة بين يدي الإجابات


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعد ..
يلاحظ في الأسئلة التي طرحها الاخوة الكرام أنها في الغالب تدور حول منهج المواجهة مع خطر التنصير , فهي إما تسأل عن ملامح منهج المواجهة أو عن الأخطاء الحادثة في تطبيق هذا المنهج أو عن بعض التحديات التي تواجهة هذا المنهج ولهذا أحببت أن أقدم للإجابة على الأسئلة بمدخل بسيط ألقى فيه الضوء على ملامح المنهج السلفي للمواجهة مع التنصير , ثم نبدأ بعده في طرح الإجابات
في البداية.. يجب التنبيه على أن منهج مواجهة النصرانية المحرَّفة له نفس الأبعاد المنهجية الكاملة لمنهج الدعوة الإسلامية، وهي الحكمة المأخوذة من قول الله عز وجل: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل: 125] وفيه يقول الأستاذ سيد قطب: (على هذه الأسس يُرسي القرآن قواعد الدعوة ومبادئها، ويعيِّن وسائلها وطرائقها، ويرسم المنهج للرسول الكريم، وللدعاة من بعده بدينه القويم، فلننظر في دستور الدعوة الذي شرعه الله في هذا القرآن.. والدعوة بالحكمة، والنظر في أحوال المخاطبين وظروفهم، والقدر الذي بيَّنه لهم في كل مرة.. والطريقة التي يخاطبهم بها، والتنويع في هذه الطريقة حسب مقتضياتها.. فلا تستبد به الحماسة والاندفاع والغيرة فيتجاوز الحكمة في هذا كله وفي سواه.
وبالموعظة الحسنة التي تدخل إلى القلوب برفق، وتتعمق المشاعر بلطف، لا بالزجر.. فإن الرفق في الموعظة كثيرًا ما يهدي القلوب الشاردة،
ويؤلف القلوب النافرة، ويأتي بخير من الزجر والتأنيب و التوبيخ.
وبالجدل بالتي هي أحسن.. بلا تحامل على المخالف ولا ترذيل له وتقبيح، حتى يطمئن إلى الداعي ويشعر أن ليس هدفه هو الغلبة في الجدل،
ولكن الإقناع والوصول إلى الحق..
فالنفس البشرية لها كبرياؤها وعنادها، وهي لا تنزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرفق حتى لا تشعر بالهزيمة، وسرعان ما تختلط على النفس قيمة الرأي وقيمتها هي عند الناس، فتعتبر التنازل عن الرأي تنازلاً عن هيبتها واحترامها وكيانها. والجدل بالحسنى هو الذي يطامن هذه الكبرياء الحساسة، ويشعر المجادل أن ذاته مصونة، وقيمته كريمة. وأن الداعي لا يقصد إلا كشف الحقيقة في ذاتها والاهتداء إليها..
في سبيل الله، لا في سبيل ذاته ونصرة رأيه وهزيمة الرأي الآخر..!
هذا هو منهج الدعوة ودستورها ما دام الأمر في دائرة الدعوة باللسان والجدل بالحجة، فأما إذا وقع الاعتداء على أهل الدعوة فإن الموقف يتغير، فالاعتداء عملٌ ماديٌّ يدفع بمثله إعزازًا لكرامة الحق، ودفعا لغلبة الباطل، على ألا يتجاوز الرد على الاعتداء حدوده إلى التمثيل والتقطيع، فالإسلام دين العدل والاعتدال، ودين السلم والمسالمة، إنما يدفع عن نفسه وأهله البغي ولا يبغي {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} وليس ذلك بعيدًا عن دستور الدعوة فهو جزء منه. فالدفع عن الدعوة في حدود القصد والعدل يحفظ لها كرامتها وعزتها، فلا تهون في نفوس الناس. والدعوة المهينة لا يعتنقها أحد ولا يثق أنها دعوة الله. فالله لا يترك دعوته مهينة لا تدفع عن نفسها، والمؤمنون بالله لا يقبلون الضيم وهم دعاة الله والعزة لله جميعًا..
والهدى والضلال بيد الله وَفق سنته في فطرة النفوس واستعداداتها واتجاهاتها للهدى أو الضلال..
هذا هو دستور الدعوة إلى الله كما رسمه الله..
والنصر مرهون باتباعه كما وعد الله.. ومن أصدق من الله..؟!).
وقال رحمه الله في ظلال هذه الآية: {والفتنة أشد من القتل} [البقرة: 191]:
(فاعتبر الاعتداء على العقيدة والإيذاء بسببها وفتنة أهلها عنها أشد من الاعتداء على الحياة ذاتها. فالعقيدة أعظم قيمة من الحياة وَفق هذا المبدأ العظيم.
وإذا كان المؤمن مأذونًا في القتال ليدفع عن حياته وعن ماله، فهو من باب أولى مأذون في القتال ليدفع عن عقيدته ودينه..
وقد كان المسلمون يسامون الفتنة عن عقيدتهم ويؤذون، ولم يكن لهم بد أن يدفعوا هذه الفتنة عن أعز ما يملكون. يسامون الفتنة عن عقيدتهم، ويُؤذَوْن فيها في مواطن من الأرض شتى، وقد شهدت الأندلس من بشاعة التعذيب الوحشي والتقتيل الجماعي -لفتنة المسلمين عن دينهم، وفتنة أصحاب المذاهب المسيحية الأخرى ليرتدوا إلى الكاثوليكية- ما ترك أسبانيا اليوم ولا ظل فيها للإسلام! ولا للمذاهب المسيحية الأخرى ذاتها! كما شهد بيت المقدس وما حوله بشاعة الهجمات الصليبية التي لم تكن موجهة إلا للعقيدة والإجهاز عليها, والتي خاضها المسلمون في هذه المنطقة تحت لواء العقيدة وحدها فانتصروا فيها، وحموا هذه البقعة من مصير الأندلس الأليم.. وما يزال المسلمون يسامون الفتنة في أرجاء المناطق الشيوعية والوثنية والصهيونية والمسيحية في أنحاء من الأرض شتى..)
فلابد أن تنطلق المواجهة الواقعية من التقييم السلفي لواقع الصراع بين الإسلام والنصرانية المحرفة،
والمقصود بالتقييم السلفي هو تفسير هذا الواقع، وتحليل دوافعه، وتحديد اتجاهاته ومستقبله من خلال هذا التقييم.
تفسير الصراع
و التفسير العام لواقع الصراع أساسه تحديد الدور المركزي للأحبار والرهبان في واقع النصرانية بقوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [التوبة: 31] وتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه العلاقة بالتحليل والتحريم( ) ‏يعطيها بعدها الواقعي تمامًا كقيادة تشريعية وتوجيهية للنصارى كافة، وبصورة مطلقة، وفي كل مجالات حياتهم العملية..
حيث تبع هذه الآية قوله تعالى : {يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} [التوبة: 32].
لذلك يجب تقييم أي حركة عدائية نصرانية ضد الإسلام من خلال معنى هذه الآية، كمحاولة لإطفاء «نور الله» بالأفواه..!
ومع الدور المركزي للأحبار يكون شكل الصليب وهو العنصر الواضح في الحروب الصليبية التاريخية حتى بلغ درجة هيسترية، فيُرسم الصليب على أعلام الدول، ورايات الحرب وملابسها، وعلى الدروع والأسلحة.. ومثلما ستكون في الملحمة ((فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ، فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَدُقّهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ)).
ولعلنا نلاحظ عبارة: «غَلَبَ الصَّلِيبُ» لننتبه إلى مدى حمية النصارى للصليب، وهو الأمر الواضح جدًّا في كل الحروب الصليبية القديمة والحديثة.
أهداف الصراع
ومن المعروف أن هدف النصارى ليس نقل المسلمين إلى النصرانية، ولكن إخراج المسلمين من الإسلام..
وهذه الحقيقة هي مضمون قول الله عز وجل {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} [البقرة: 109]، وكلمة «وَدَّ» و «حَسَدًا» في الآيات تعبر عن الحالة النفسية التي يشعر بها النصارى تجاه المسلمين..
وكذلك قوله تعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} [البقرة: 217] وكلمة {ولا يزالون} تدل على الإصرار على الهدف والاستمرار في المحاولات، وكلمة {إِنِ اسْتَطَاعُوا} تدل على بذل أقصى ما يستطيعون لأجل هذا الهدف الذي يسعون إليه..
ولكن هناك هدف آخر للصراع من جانب النصارى، وهو وقف ظاهرة الدخول في الإسلام؛ لأن الحرب تمنع النصارى من التفكير في الإسلام بصورة موضوعية ومتزنة، وتعبئ النفس في اتجاه عدائي واحد؛ ليجدوا أنفسهم أعداءً لهذا الدين بصورة نفسية هستيرية لا حيلة لهم فيها، وتنعكس كل عناصر الصراع على شعورهم النفسي تجاه الإسلام.
ومن هنا يأتي تفسير ظاهرة ارتباط الحروب الصليبية -تاريخيًّا- بظاهرة الإقبال التاريخي من جانب النصارى على الإسلام.. والحرب القائمة دليل على هذا التفسير..
كما يأتي الدافع المادي، باعتبار أن الدنيا هي أحد عوامل التحريف، وأحد المحركات الأساسية للكافرين عمومًا والنصارى خصوصًا.
ففي الحملات الصليبية المبكرة كان الباباوات يحرِّضون العامة على حرب المسلمين بقولهم: (إن أرض الشرق تفيض لبنًا وعسلاً..)، وحديثًا يحل النفط والثروات الطبيعية محل اللبن والعسل؛ ليكون هو المحرك الأساسي للحملات الصليبية الحديثة على بلاد المسلمين التي خصها الله بالنصيب الوافر منه..!
وذلك كله مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أُفق كما تداعى الأكلة على قصعتها))( )‏.
ولكن يجب أن يكون مفهوما أن «اللبن والعسل» قديمًا و«النفط »حديثًا لم تكن هدفًا إلا باعتبارها وسائل للحرب على العقيدة الإسلامية.. وهي الهدف الأساسي.
ولكن المخططات تبطل بقدر الله وحده {وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} [إبراهيم: 46] وهذا النص القرآني يعالج البعد القدري للصراع؛ لنعلم أن مستقبل الصراع بيد الله وحده، محكوم بقدر الله وسننه الثابتة.
ونتيجة لذلك تبرز ضرورة أن يكون لنا تصور عام متفق عليه لإدارة المواجهة، وأن نتعاون في إطار هذا التصور في جمع المعلومات المتعلقة بالحملة الصليبية، وأن نتعاون في جمع كل الشبهات المثارة من جانب هذه الحملة والرد عليها، بحيث يكون هناك نوعٌ من تبادل الخبرات والمهارات في مواجهة عدو يتسلح بأحدث العلوم النفسية والاجتماعية والتقنية، ويتمتع بأكبر دعم سياسي واقتصادي ومعلوماتي، ويستخدم أحط الأساليب وأخبثها.

ولقد مرت المواجهة الفكرية مع النصرانية المحرَّفة عبر مجموعة من المراحل، تطور فيها الخطاب النصراني متأثرًا بعاملين اثنين:
الأول: حال الأمة الإسلامية من حيث القوة والضعف.
الثاني: الخبرات التي اكتسبها النصارى من تجاربهم السابقة.
وكان أخطر أساليبها التسلل لإفساد العقيدة من خلال ترجمة النصارى -العاملين ببلاط الخلافة العباسية- للفلسفة اليونانية، وإغراء الحكام والسلاطين بها، والتسبب في ظهور الفرق المبتدعة نتيجة المناظرة والطعن في الدين على أساس المنطق اليوناني والفلسفة الأفلاطونية.
وانتهاءً بمرحلة استخدام المصطلحات والنصوص الإسلامية لتمرير المضامين والمعتقدات النصرانية، لتسهيل مهمة تقبل نقائضها وخرافاتها على العقل المسلم، خصوصًا بعد أن وصل هذا العقل إلى حالة من الجهل المطبق بدينه‏
والملاحظة الثابتة تاريخيًّا.. أن الخطاب الفكري النصراني لا يبتعد عن الصراع السياسي والاجتماعي، بل تجده أحيانا يمهد له، وأحيانا أخرى يواكبه ويصاحبه، وذلك مع كل انكسار سياسي أو عسكري أو اجتماعي تتعرض له الأمة.
وفي كل الأحوال يظل الجدل هو الصيغة البارزة في تاريخ هذه المواجهة.

تنبهيات حول الإجابة
نرجوا العلم أن الاجابة على الاسئلة مقيدة بالمساحة المتاحة للحوار لأن الموضوعات المطروحة في الاسئلة تتطلب في الإساس إجابات أكثر تفصيلاً
ومن يرغب في التفصيل يمكن متابعة المدونة الخاصة
كما نرجوا العلم أنه تحقيقا للفائدة تم تصنيف الإسئلة المكررة تحت إجابة واحدة جامعة
وباعتبار أن مواجهة الحملة التنصيرية قد حظيت بإجماع كل التوجهات الفكرية
فقد جاءت صيغة الإجابة على التساؤلات باعتبار هذا الإجماع والحفاظ عليه
ومما يدعم هذا الإجماع والحفاظ عليه التساؤلات المثارة حول تحديد المنهج الصحيح للمواجهة
هذا وقد دلت تساؤلات الاخوة على نضوج فكري يبشر بإمكانية الحفاظ على هذا الإجماع , وتحقيق الهدف الإسلامي منه .

والحمد لله وحده

القيم
03-06-2008, 05:26 PM
ما شاء الله
جزاك الله كل خير
وجزا الله الشيخ رفاعى سرور كل خير ونفع بة دائما

عبد الملك بن عطية
03-15-2008, 07:42 PM
السؤال "- هل للعقل حدود في الاسلام ؟ وماهي حدود العقل ، ان كان الله تعالى قد وضع لنا حدود معينة يجب ان لا نفكر بتجاوزها ، فما هي الحكمة من خلق عقل يعمل طوال الوقت ويفكر بالمجهول ان كان الله قد وضع لنا حدود يجب ان لا نتجاوزها ؟ هل توجد اجابة خير من ( اختبار ) حيث اني لم اسأل سؤالا ً حتى الان لكبار المثقفين الاسلاميين الا كانت الاجابة ( حكمة الهية او اختبار للبشر )"


بسم الله

حدود العقل في الإسلام هي حدود العقل مطلقا, أي حدود العقل من حيث هو كذلك
ولا داعي للحديث عن البيئة الإسلامية كتهديد للعقل. أعني بهذا القول تصويب صيغة السؤال قبل الرد عليه.

هناك تصويب آخر.. ورد في السؤال : ماهي العلة من خلق العقل المتطلع للمجهول ثم وضع حدود له؟
والخطأ في هذا التساؤل هو اعتقاد ضمني بأن مجال المحسوسات هو مجال العقل, وليس الغيبيات,
والصواب هو أن المحسوسات والغيبيات كلاهما مجال للعقل على حد سواء. ولكن بشرط التفكير العقلي الموافق للوحي وهو التسليم بخبر الوحي في الغيبيات وهو موقف عقلي صحيح .

أما السؤال المتعلق بأن العقل هو مجرد اختبار, فإن هذه الفكرة, أي فكرة العقل كاختبار, هذه هي نتاج للتراث المسيحي والحلولي, لأن "الفتنة" يخلقها الله ويحذر منها, أما العقل فقد حثنا الله على استخدامه في آيات كثيرة جدا بشرط عدم تجاوز حد الوحي .

فإذا كان حدود العقل هي من طبيعة العقل نفسه وليس بيئة الإسلام, وإذا كان مجال العقل هو الغيبيات والمحسوسات على حد سواء, فما هي المشكلة؟

الحقيقة هي أن المرتبكين أمام مشكلة الوحي والعقل لا يدركون الفرق بين الحقيقة كمعطى للعقل, وبين الحقيقة كموضوع أمام المعالجة العقلية, الحقيقة كمعطى أولي للعقل موضوعها التصديق, ولا مجال للعقل بها, أما الحقيقة كموضوع للمعالجة الذهنية فموضوعها التفكير .

إذا كان الأمر كذلك, فأين الوحي من ذلك التقسيم؟ هل هو مجموعة من الحقائق التي ليس للعقل إلا اعتمادها مرغما, أم هو مجموعة من الحقائق التي لا ينبغي أن تمر على المرء دون أن يستنتجها بعقله مباشرة؟

أي حقيقة هي ذات طبيعة مزدوجة, فمن حيث مصدرها, فيجب التصديق, ومن حيث قابليتها للتفكر.. فهي دائما بحاجة لمزيد من الاختزال, أي المزيد من ربطها ودمجها مع التصور الإسلامي العام.

ومن أهم الحدود العقلية القناعة والتسليم .

وعلاقة العقل بالقلب؛ هي أساس هذا التفسير..
فعندما يصدق العقل بالحقيقة.. يرسلها إلى القلب لتستقر، مرورًا بالصدر الذي ينشرح لها فلا تَحيك فيه، فإذا استقرت الحقيقة في القلب يكون الاطمئنان والإيمان.. لأن الإيمان هو الاطمئنان.

وليكون التسليم العقلي بعد الإطمئنان هو الإلتزام بكل مقتضيات الإيمان.وأول ذلك.. الإيمان بكل ما أخبر به الله من غيبيات وأمر به من تكاليف .

وبذلك تكون علاقة العقل بالإيمان هي القناعة ابتداءً.. والتسليم انتهاءً.. فلا يكون تسليم بغير قناعة في الابتداء.. ولا تشترط القناعة بعد التسليم في الانتهاء..

وهناك حدٌّ فاصل بين قناعة الإبتداء وتسليم الإنتهاء، والخلط بين الأمرين خطر عظيم.. لأن هذا الحد الفاصل هو حد التعريف بالله، وهو ما يكون بالإجتهاد العقلي وما يستلزمه من تفكر وتدبر.. ثم التسليم وما يصحبه من اطمئنان ويقين .

وهذا التصور تدخل فيه عدة اعتبارات:
«الاعتبار الأول» أن مرحلة التسليم في الانتهاء لا يجب أن يكون فيها ما يُناقض العقل، ولكن التسليم قد يكون فيمالا يبلغه العقل، مثل الغيبيات والأحكام التي لم تبلغ العقول إدراك الحكمة منها.
«الاعتبار الثاني» أن يكون التسليم أمام نصوص شرعية صريحة، ولا يكون أمام أقوال أو اجتهادات بشرية؛ لأن العقل من حقه رد الاجتهاد العقلي للآخرين.

ومن هنا كان التصور الإسلامي في قضية التعريف بالله.. قائما على أن :
- ما عُلم بالعقل الصريح لا يخالفه قط خبرٌ صحيح ولا حِسٌّ صحيح..
- وما عُلم بالخبر الصحيح لا يخالفه قط عقلٌ صحيحٌ ولا حِسٌّ صحيح..
- وما عُلم بالحس الصحيح لا يخالفه قط عقلٌ صحيحٌ ولا خبر صحيح..
- فالعقل والخبر والحس لا يتناقضون إذا صحوا..

والحد الأول في التعريف بالله هو معرفة أسماؤه وصفاته وأفعاله وعدم تجاوز هذا الحد إلى التفكر في ذات الله
وقد قرر الإمام ابن تيميه أن العقل لا يدرك كنه الشيء ولكنه يدرك العلاقات والنسب والإضافات وتطبيقاً لهذا التقرير يفصل المسلمون بين الأساس العقلي للتعريف بالله وبين المحاولة العقلية للحديث في ماهية الذات الإلهية
" يراجع ابن تيمية ، الرد على المنطقيين ودرء تعارض العقل مع النقل"

وهذا التصور في ذاته تصور عقلي بمعني أن المحاولة العقلية لمعرفة مقام الالوهية هي فعل بشري متجه نحو معرفة المقام الالهي بشرط أن تتم عملية المعرف في حدود الوحي .
وبتمام هذه المعرفة ينشا موقف العبودية أمام الله سبحانه وهو الآخر موقف عقلي سليم لأن معرفة الله تقتضي العبودية ليكون هناك أمر عقلي آخر وهو التسليم لله في كل ما أخبر به من وحي وغيبيات والذي يكون بتمام إنشاء موقف العبودية . واثبات الحكمة في أحكام الله القدرية والشرعية حقيقة اعتقادية نؤمن بها " جملة وعلى الغيب "دون شرط الوصول الى معرفتها المباشرة أو التفصيلية . ولايمنع ذلك الإجتهاد العقلي وفقا لأصول الفقه بإعتبارها أصولاً للإجتهاد البشري على ألا يكون الوصول إلى معرفة الحكمة من الأحكام الشرعية شرط في الإلتزام بها .

وهذا المعنى هو أهم الحدود العقلية .

وبالإنتقال بهذا التصور إلى الموقف النصراني من العقل نجد التجاوز التام للحد العقلي الأول وهو محاولة الإستيعاب العقلي لمعرفة الذات الإلهية
وأن طريق معرفة الله هي فكرة التجسد الإلهي في صورة إنسانية
وأن الإنسان بالتجسد الإلهي أكتشف ماهية الله
وبذلك لا يكون للعقل البشري الطبيعي عند النصارى أي وجود
لذا كان لابد للنصارى من معالجة مشكلة تحقيق الإيمان بعيداً عن العقل وذلك لقيام عقيدتهم على محالات العقول
فجاءت التعبيرات التي تذم العقل البشري في تحقيق الإعتقاد مثل ذم بولس للعقل وهو أشهر ما ذكر في ذلك الأمر .

ولكن الإلغاء النصراني للعقل البشري يصطدم مع الفطرة البشرية مما دفع النصارى لمعالجة الشعور الفطري بالعقل وذلك بإنشاء قوانين لتحل محل القواعد العقلية وهي المعروفة باسم قوانين الإيمان لتصبح هي العقل البديل .
وكذلك الارتكاز على الاختبارات الشخصية في تحقيق القناعة في غيبة العقل .

والمشكلة الأساسية عند النصارى في قضية العقل هي عدم تفريقهم بين ما يتناقض مع العقل وبين ما يفوق قدرة العقل على الاستيعاب .

وفي هذه المشكلة يقول فيهم ابن تيميه رحمه الله تعالي:
"ولا يُميِّزون بين ما يحيله العقل ويبطله ويعلم أنه ممتنع، وبين ما يعجز عنه العقل فلا يعرفه ولا يحكم فيه بنفي ولا إثبات.. فالرسل قد أخبرت بالنوع الثاني، ولا يجوز أن تخبر بالنوع الأول، فلم يفرقوا بين محالات العقول ومحارات العقول"
" وإذا جاز عدم بحث الإلهيات بالعقل لقال كل مبطل من الباطل، وما هو فوق العقل، فإذا سألتَ النصارى: هل تفقهون وتعقلون وتتصورون ما تقولون؟
فإن قالوا: لا..! قلنا لهم: أنتم تقولون على الله ما لا تعلمون، وما ليس لكم به علم..
وإن قالوا: نفقه ونعقل ونتصور..! قلنا لهم: بينوه لغيركم حتى يفقهه ويعقله ويتصوره "..!

والقرآن يثبت إمكانية وصول الإنسان لمعرفة الله بهذه الطبيعة، وذلك في آيات سورة الأنعام: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين* فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هـذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين* فلما رأى القمر بازغا قال هـذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين* فلما رأى الشمس بازغة قال هـذا ربي هـذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون* إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين} [الأنعام: 75-79].

حيث ارتكز في كلامه معهم على عدة حقائق فطرية هي:
- أنه مركوز في الفطرة أن الله فوق الخلق.. فنظر في السماء..
- ومركوز في الفطرة أن الله لا يغيب.. فرفض الكوكب بعد أن أفل..
- ومركوز في الفطرة أن الله أكبر.. فاتجه إلى القمر؛ لأنه أكبر من الكوكب..
- ومركوز في الفطرة أن العبادة غاية الحب.. فكان يرفض هذه الظواهر بقوله: {لا أحب الآفلين}.
وكلمة: {لا أحب الآفلين} تمثل في معنى الإيمان، وفي مواجهة التحريف النصراني حقيقة هامة جدًّا؛ ذلك أن النصارى يقولون: إن الطريق الأساسي للفهم هو أن تصير كالمحبوب؛ لأن المرء لا يفهم إلا بمقدار ما يصبح متحدًا مع الشيء الذي يحبه.

ويعنون بذلك شرط الحب دون الاقتناع العقلي في تحقيق الإيمان، وهو ما يتطابق مع نظرية الكشف، ومضمونها إمكانية الوصول إلى الإيمان بمجرد الحب، دون الاقتناع، ولكن النص القرآني يثبت شرط القناعة العقلية ليستقر الحق في القلب بالحب، فيتحقق الاطمئنان باجتماع العقل مع الوجدان الذي يكون به الاطمئنان.. وهو معنى الإيمان.

منهج معرفة الله :

وفي النهاية يقدم الإسلام تصورا كاملا واضحا للعلاقة بين العقل والوحي وذلك من خلال قول الله عز وجل في قول الله: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم } [النور: 35]، يقول الإمام ابن القيم: (هذا مثَلٌ لنوره في قلب عبده المؤمن..
وهذا النور يضاف إلى الله تعالى إذ هو معطيه لعبده وواهبه إياه..
ويضاف إلى العبد إذ هو محله وقابله..
فيضاف إلى الفاعل والقابل..
ولهذا النور فاعل وقابل ومحل وحالٌّ ومادة..
وقد تضمنت الآية ذكر هذه الأمور كلها على وجه التفصيل..
فالفاعل: هو الله تعالى مفيض الأنوار.. الهادي لنوره من يشاء..
والقابل: العبد المؤمن..
والمحل: قلبه..
والحال: همته وعزيمته وإرادته..
والمادة: قوله وعمله..

وهذا التشبيه العجيب الذي تضمنته الآية فيه من الأسرار والمعاني وإظهار تمام نعمته على عبده المؤمن بما أناله من نوره ما تَقَرُّ به عيون أهله وتبتهج به قلوبهم..
فتأمل صفة المشكاة، وهي كُوَّةٌ تنفذ لتكون أجمع للضوء، قد وضع فيها المصباح، وذلك المصباح داخل زجاجة تشبه الكوكب الدري في صفائها وحُسنها، ومادته من أصفى الأدهان وأتمها وقودًا، من زيت شجرة في وسط القَرَاح ، لا شرقية ولا غربية، بحيث تصيبها الشمس في أحد طرفي النهار.. بل هي في وسط القَرَاح محمية بأطرافه، تصيبها الشمس أعدل إصابة، والآفات إلى الأطراف دونها، فمن شدة إضاءة زيتها وصفائها وحسنها يكاد يضيء من غير أن تمسه نار..

فهذا المجموع المركب هو مثل نور الله تعالى الذي وضعه في قلب عبده المؤمن وخصه به..
فـ«المشكاة» صدر المؤمن، و«الزجاجة» قلبه، شبه قلبه بالزجاجة لرقتها وصفائها وصلابتها؛ وذلك قلب المؤمن، فإنه قد جمع الأوصاف الثلاثة..
فهو بـ«رِقته».. يَرحَم ويُحسِن ويَتَحنَّن ويُشفِقُ على الخلق..
وبـ«صفائه».. تتجلى فيه صور الحقائق والعلوم على ما هي عليه، ويباعد الكدر والدرن والوسخ بحسب ما فيه من الصفاء..
وبـ«صلابته».. يتشدد في أمر الله، ويتصلب في ذات الله تعالى، ويغلظ على أعداء الله تعالى، ويقوم بالحق.
وقد جعل الله تعالى القلوب كالآنية، كما قال بعض السلف: (القلوب آنية الله في أرضه، فأحبها إليه: أرقها وأصلبها وأصفاها)..
و«المصباح» هو نور الإيمان في قلبه.. و«الشجرة المباركة» هي شجرة الوحي المتضمنة للهدى ودين الحق وهي مادة المصباح التي يتقد منها..
و«النور على النور» نور الفطرة الصحيحة والإدراك الصحيح، ونور الوحي والكتاب..
فينضاف أحد النورين إلى الآخر فيزداد العبد نورًا على نور..

ولهذا يكاد ينطق بالحق والحكمة قبل أن يسمع ما فيه بالأثر، ثم يبلغه الأثر بمثل ما وقع في قلبه ونطق به؛ فيتفق عنده شاهد العقل والشرع والفطرة والوحي، فيريه عقله وفطرته وذوقه الذي جاء به الرسول هو الحق، لا يتعارض عنده العقل والنقل البتة، بل يتصادقان ويتوافقان.. فهذا علامة النور على النور، عكس من تلاطمت في قلبه أمواج الشُّبه الباطلة والخيالات الفاسدة من الظنون والجهالات كما قال تعالى عنهم: {أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} [النور: 40].

فانظر كيف تضمنت هذه الآيات طرائق بني آدم أتمَّ انتظام، واشتملت عليه أكمل اشتمال.

والله اعلم

عبد الملك بن عطية
03-15-2008, 07:46 PM
السؤال "منتديات النصارى والملاحدة .. أغلبها تسمح بالسخرية والاستهزاء بالله والرسول وأمة الإسلام .. فماذا على المحاور المسلم أن يفعل ؟ .. هل يبادل محاوره السب ؟ أم يكمل الحوار كأن شيئًا لم يكن ؟ أم ينقطع عن الحوار بالكلية ؟
هذا عن منتدياتهم .. فماذا على المحاور المسلم أن يفعل لو حصل نفس الشيء في منتديات المسلمين ؟"


بسم الله

أعداونا ماكرون يريدون أن نتساوى معهم لتضيع قضيتنا وحقنا ..
فمثلا عندما يداهن المسلمون الكافرين ويداهن الكافرون المسلمين فإن الخاسر من الطرفين هو صاحب الحق الذي سيضيع بالمداهنة (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (القلم:9) فهناك أمور لو تساوى فيه الطرفان كان الخاسر هو صاحب الحق .

كذلك الأمر في السباب عندما يتساوى الطرفان في السباب فإن الخاسر أيضا هو صاحب الحق .

وسباب اليهود والنصارى له سبب نفسي وهو الحرمان من الشعور بأنهم على الحق مثلما يشعر المسلمون
وهذا الحرمان هو الذي يسبب التصرفات التافهة التي لايتصرفونها إلا تنفيسا عما في نفوسهم مثل أن يقول اليهود "راعنا" ليفهم السامع أنهم يقصدون راعنا في الحديث وتمهل علينا حتى نفهم من المراعاة وهم يقصدون راعنا أي أرعننا من الرعونة .

حتى أنزل الله عز وجل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة:104)
والتعقيب بقول الله وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ يخفف من غيظ المؤمن وذلك باستحضار مشهد عذاب هؤلاء الكفرة الفجرة .

(وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (أنعام:108)
أما في هذه الآية فإن القرآن يعالج المسألة من ناحية أخري وهي الإحساس بموقف أي ضال وأنه يدافع عما هو عليه وأن كشف هذا الضلال يهيجه فلا يجب أن يشغلنا ذلك عن دعوتنا .

و معنى أن ينزل القرآن بقوله سبحانه (لاتقولوا راعنا) وبالنهي عن سب الذين يدعون من دون الله هو ألا نكون نحن سببا في سبابهم .

وقد سبق القول بأن موقف السباب من هؤلاء الناس ليس له علاقة بالدين أو الحق والباطل ولكنه تنفيس عما في صدورهم من حقد وغل مثلما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : السام عليكم
فقالت عائشة رضى الله عنها : وعليكم السام واللعنة
فقال لها رسول الله : مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله
فقالت : أولم تسمع ما قالوا يا رسول الله
فقال : أولم تسمعي ما قلته لقد قلت وعليكم فإنه يستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في .

فيجب ألا نتجاوز حدود الضرورة
حتى لا نتساوى معهم في مثل هذه التصرفات
ولكنه سيحاول فرض الأمر عليك فإما أن تجاريه وإما أن تترك له المجال
وفي كلا الاحتمالين خسارة لك !!
إزاحتك من المواجهة لعلمه أنك لن تجاريه في سبابه...خسارة !
مجاراته في السباب... خسارة !

والنجاة من الإحتمالين هو
ـ لا أكون أنا المبتديء
ـ لا أكون أنا السبب
ـ لا أتجاوز حد إيقافه عند حده
ـ لا أتمادى في خصلة السباب حتى أتساوى معه في تلك الخصلة وأبلغ درجة الفحش فليس المؤمن بسباب ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء .

ولكن النفس البشرية لها طبيعتها ولذلك نزل قول الله (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) (النساء:148)

تفسير الطبري - (ج 9 / ص 348)
عن السدي:"لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"، يقول: إن الله لا يحب الجهر بالسوء من أحدٍ من الخلق، ولكن من ظلم فانتصر بمثل ما ظُلم، فليس عليه جناح.

تفسير ابن كثير - (ج 2 / ص 442)
بن أبي طلحة عن ابن عباس: { لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ } يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: { إِلا مَنْ ظُلِمَ } وإن صبر فهو خير له.

تفسير ابن كثير - (ج 2 / ص 443)
قال عبد الكريم بن مالك الجَزَريّ في هذه الآية: هو الرجل يشتمك فتشتمه، ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه؛ لقوله: { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } [الشورى: 41].

تفسير الرازي - (ج 5 / ص 424)
يعني أنه تعالى لا يحب إظهار الفضائح والقبائح إلا في حق من عظم ضرره وكثر مكره وكيده ، فعند ذلك يجوز إظهار فضائحه .

فيمكن تصريف هذه الطبيعة وإذهاب غيظ قلبك بالألفاظ الصحيحة المؤلمة مثل الوصف بالكذب والتدليس والجهل والإعراض
وبشرط ألا نتجاوز حد إيقافه عند حده
وبشرط ألا نخرج عن مسار دعوتنا .

وقد تبين هذان الشرطان من جدال فرعون مع موسى :
ففي شرط عدم تجاوز الحد جاء قول الله في سورة الإسراء (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرائيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً) (الإسراء:101) فرد موسى (قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) (الإسراء:102)
فجاءت كلمة مثبوراً رداً على كلمة مسحورا فقط ودون زيادة .

أما في الحذر من الخروج عن مسار الدعوة فقد جاء قول الله في سورة الشعراء
حيث بدأ فرعون الجدل بمحاولة التأثير على الحالة النفسية لموسى
( قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ 18 وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ )
فيرد موسى مبينا أن وصوله إلى قصر فرعون ليربيه إنما كان لأجل خوف أمه عليه بسبب قتل فرعون لبني إسرائيل واستعبادهم وهو معنى قول موسى
(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيل)َ
فأدرك فرعون أنه لم ينل من موسى فدخل في الموضوع
(فقَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ )
(قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ )
وهنا يحاول تأليب الناس عليه
( قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ )
ولكن موسى لا يخرج عن مسار دعوته
( قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِين )َ
فيبدأ فرعون في السب والتطاول
( قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ )
ولكن موسى يواصل ولا يبالي بكلام فرعون و لا يخرج عن مسار دعوته
قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ 28.

وهكذا لانجعل أعداؤنا يخرجنا عن مسار دعوتنا الصحيح .

والله اعلم

عبد الملك بن عطية
08-07-2009, 06:36 PM
أعتذر لنسيان نقل إجابات الشيخ ، ويمكن قراءتها كلها على :
http://www.aljame3.net/ib/index.php?showtopic=5451