المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ـ ذكرى مضت ـ


البتار
03-06-2008, 08:47 AM
ـ ذكرى مضت ـ
ما أكثر الذكريات ... تكون غالية ثمينة لدى البعض ... مريرة لدى البعض الآخر ... ولا معنى لها عند الكثيرين أيضا ... أما ذكرياتي ... دُمَى جميلة ... تسرّي عن نفسي عندما يعبث بها الحزنُ ...أقوم بنثرها في مخيلتي ... وأرتحل معها ... مع تلك الروح الصغيرة التي تعيش فيها وتأبى أن تتركها ... أصعد معها أهبط معها... أسكن معها ... وأضج بضجيجها العذب أيضا ... تختلج تلك الروح فيختلج الصدر معها .. ليست كلها جميلة ... بعضها ما زال يؤلمني ... لكنني لن أهرب من الألم ...كنت طفلةً ألهو كما هم أقراني ... لكنني متعجلة لأكبر وأصبح كأولئك الذين سكنوا مخيلتي ... ورتعوا في قلبي ... تخيلت الدنيا ...موقعاً يُعزُّ فيه الحقُّ ويُذل فيه ما سواه ... كنت أحب أسماء ـ ذات النطاقين ـ كثيراً فهي قدوتي، وسماني والدَي ـ الحبيبان ـ على اسمها عَلَّني أكون مثلها ... ولو في لحظة من لحظات حياتي كلها ....
أحببت حمزة و خالد ونسيبة ... وكانوا جميعا قدوة لي ...قدوة لفتاة لم تكن تجاوز الخامسة من عمرها ... روح نقية تسكن ذلك الصدر ...تحب الخير وتكره ما سواه تمنت أن تكون بل عزمت ... أن تكون أم الفاتحين وأختهم ... أولئك الذين سيفتحون للدين الآفاق لتعلوا كلمته من جديد ...!
وكما عزمتُ ... بدأت بخطوةٍ أولى ... تعد جديدة لمن هي في سنها ... الحجاب ... فهي أم الفاتحين كما تقول: ولا يعقل أن تكون أم الفاتحين سافرة ...!بدأت بتلك الخطوة ووضعت قدمها ... لتدرج تلك الروح الشفيفة في هذا الكون الرحيب ... ذهبت في أول أيام مدرستها مزهوّةً ... مختالة بحجابها ... فهذه هي بداية الطريق ... وهي بداية سليمة ... دخلتُ ... تقطَّبت الوجوه ... الجالسة كأنما على رؤوسهن الطير ... لأنهم ظنوا أنهم أمام مؤامرة تهدف إلى إعادة البناء ... وهذا ما لم يردنه في يوم من الأيام ... مؤامرة حيكت بيدٍ حاقد وألبسها لطفلةٍ صغيرة ... فإذا بالمديرة ـ الفاضلة ـ ... والمربية ـ الجليلة ـ تصيح ... لا حجاب ... لا جلباب ... هذا لا ينفع في مدرستنا ... ثم بدت بمظهر الحانية على طفلةٍ جارَ عليها الفكر المتطرف ... فقالت: ما زلت طفلة ...كيف تلعبين ... هيا ...اخلعيه ... ثم لماذا ترتدينه ...؟!
لم أعلم وقتها ما الذي دفعني إلى أن أقول: حتى لا أكون كاسية عارية ملعونة ... دهشت وقالت: ما زلت طفلة صغيرة ... دعك منه ... لا مدرسة إذن ...إما هذه أو تلك ...!
ولم أدر ما الذي دفعني لأن أقول بجرأة خذوا كتبكم ... لا أريد مدرستكم ... أريد حجابي ... وإن جند الله لهم الغالبون ...فدخلت الفصل الدراسي رغم أنف الجميع ... ورغم أنف المربيات الفاضلات ...!
كانت هذه بالنسبة لي ... جولة ناجحة ... ومعركة فزت فيها بجدارة ولم أتعرض بعدها لأية مشاكل ... مضت تلك السنون ... بدأت المشاكل تزداد ... لا بسبب الحجاب فقد أصبح عادة عند الناس ... ولكن تلك الأفكار ... بدأت تؤشر سلبا ... لا أصحاب لا أصدقاء ولا أي شئ لا أحد يفهمني ... يقولون أنني أفكر بطريقة عجيبة ... أحمل السلم بالعرض وأمشي ... وهلم جر...!
قالوا....لماذا ترتدين حجاباً .....؟
وتقطَّبت ...
في وجهي المسكين أوجه من دَعوا
وتشدَّقوا
بطفولتي وعنائي ...
فرددتُ أني لن أكونَ كما بغوا
أولستُ أم الفاتحين ... أجابوا
ما ذا أصابَ بُنَيَّة في سِنِّها
حتى هذَت
إنَّا نشمُّ مكائدا
نسجت بأيدي حاقدٍ
متطرف
أقرانها
في الحي يلعب بعضهم
مع بعضهم
وتقول أم الفاتحين!
ماذا جرى
أأصابها
في عقلِها
مرضٌ عُضال فاتِك
حتى هذَت
بمقالها ...
فأجبتهم
أو لست أم الفاتحين وأختهم
أوليس حمزة جدي المقدام
أوليس طارق مَن بنى أمجادنا
أوليس جعفر من رماه لواء
أليست اليرموك أو بدر التي
شق الظلامَ بها الأسودُ ضياءً
أ لست ابنة خالد ....
وقتيبة
أو ليس جدي ذلك القعقاع
أو لم تكن تلكم نسيبة جدتي
أو لم تكن أسماء تلكم قدوتي
حتى نما في القلب حبُّ إباء
ما بالكم
لا لستُ أهذي
ما أقولُ طلاسماً مُحيت
أنا طفلةٌ
قد هزَّها استهزاءُ
ما بالكم
ما بي جنون إنما
قد كنت أحسب أنكم
عُقلاء
عشر وزادت باثنتين من السنين
تصرَّمت
لا لم تغِب
أم تمحي
ذكرى العناء
لا لم تغب لهناء
لكنهم
لم يدركوا
في حينها
أني عنيت مقالي
أولست أم الفاتحين وأختهم
وحفيدة لمظفر وصلاح
هذي دماهم
في عروقي تغتذي
كلماتهم
من روحي الشماء
كلماتهم
في مهجتي
ودمائي......!

" أسماء .. أم الخطاب "